تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٤٠ - الصفحة ٢٣٩
كمال الدين أبو البركات الأنباري، النحوي، الرجل الصالح، صاحب التصانيف المفيدة.
سكن بغداد من صباه، وتفقه بالنظامية على أبي منصور بن الرزاز، وقرأ النحو على أبي السعادات بن الشجري: واللغة على أبي منصور بن الجواليقي.
وبرع في الأدب حتى صار شيخ العراق في عصره، وأقرأ الناس ودرس النحو بالنظامية، ثم انقطع في منزله مشتغلا بالعلم والعبادة والورع وإفادة الناس.
وكان زاهدا ناسكا، تاركا للدنيا، ذا صدق وإخلاص.
قال الموفق عبد اللطيف: أما شيخنا كمال الدين الأنباري فلم أر في العباد والمنقطعين مثله في طريقه، ولا أصدق منه في أسلوبه، خير محض لا يعتريه تصنع، ولا يعرف الشرور، ولا أحوال العالم. وكان له من أبيه دار يسكنها، ودار وحانوت مقدار أجرتهما نصف دينار في الشهر ينتفع به ويشتري منه ورقا.
وسير إليه المستضيء خمسمائة دينار فردها، فقالوا له: اجعلها لوالدك، فقال: إن كنت خلقته فأنا أرزقه.
وكان لا يوقد عليه ضوءا. وتحته حصير قصب، وعليه ثوب وعمامة من قطن يلبسهما يوم الجمعة. وكان لا يخرج إلا للجمعة، ويلبس في بيته ثوبا خلقا.
وكان ممن قعد في الخلوة عند الشيخ أبي النجيب.
قرأ عليه معيد بالنظامية، فبقي يكثر الصياح والكلام، فلطمه على رأسه وقال: ويلك، إذا كنت تجتر في المرعى متى ترعى والشيخ مائة وثلاثون مصنفا، أكثرها نحو، وبعضها في الفقه
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»