تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٨ - الصفحة ٢٦٤
* فلا تتوانوا فالبدار غنيمة * وللمدلج الساري صفاء المناهل * قال عبد الواحد بن علي المراكشي: أخبرني غير واحد ممن أرضى نقله، أن عبد المؤمن لما نزل مدينة سلا، وهي على البحر المحيط، ينصب إليها نهر عظيم يصب في البحر، عبر النهر، وضربت له الخيمة، وجعلت الجيوش تعبر قبيلة قبيلة، فخر ساجدا، ثم رفع رأسه، وقد بل الدمع لحيته، والتف إليه الخواص وقال: أعرف ثلاثة وردوا هذه المدينة لا شيء لهم إلا رغيف واحد، فراموا عبور هذا النهر، فبذلوا الرغيف لصاحب القارب على أن يعدي بهم، فقال: لا آخذه إلا على اثنين خاصة. فقال له أحدهم، وكان شابا، خذ ثيابي، وأنا أعبر سباحة. ففعل ذلك. فكان كلما أعيا من السباحة دنا من القارب ووضع يده عليه ليستريح، فيضربه صاحبه بالمجذاف الذي معه، فما عدى إلا بعد جهد.
قال: فما شك السامعون أنه هو العابر سباحة، وأن الآخرين ابن تومرت، وعبد الواحد الشرقي.
ثم نزل عبد المؤمن مراكش، وأقبل على البناء والغراس، وترتيب المملكة، وبسط العدل، وجعل ابنه عبد الله الذي على بجاية يشن الغارات على نواحي إفريقية بعد القيروان، حاصرها، وقطع أشجارها، وغور مياهها، وبها يومئذ عبد الله بن خراسان نائب صاحبها لوجار بن الدوقة الرومي، لعنه الله، وهو صاحب صقلية. فلما طال على ابن خراسان) الحصار، أجمع رأيه على مناجزة المصامدة، فخرج، فالتقوا، فانهزم المصامدة، وقتل منهم خلق، ورد ابن خراسان إلى البلد، فكتب عبد الله بن عبد المؤمن إلى أبيه
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»