تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٧ - الصفحة ١٥٣
ينسخ بالأجرة، وينفق على نفسه وأمه، فقال لها يوما: أحب أن أحج، قالت: وكيف يمكنك فغلب عليها النوم، فنامت وانتبهت بعد ساعة، وقالت: يا ولدي حج، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول: دعيه يحج فإن الخير له في حجه.
ففرح وباع دفاتره، ودفع إليها من ثمنها، وخرج مع الوفد، فأخذت العرب الوفد، قال: فبقيت عريانا، ووجدت مع رجل عباءة، فقلت: هبها لي أشتريها، فأعطانيها، قال: فجعلت إذا غلبني الجوع ووجدت قوما من الحاج يأكلون، وقفت أنظر إليهم، فيدعون إلى كسرة فأقتنع بها، وأحرمت في العباءة، ورجعت إلى بغداد، وكان الخليفة قد حرم جارية وأراد إخراجها من الدار، قال أبو محمد السني: فقال الخليفة: اطلبوا رجلا مستورا يصلح، فقال بعضهم: قد جاء ابن سمعون من الحج، فاستصوب الخليفة قوله، فزوجه بها، فكان ابن سمعون يجلس على) الكرسي فيعظ ويقول: خرجت حاجا، ويشرح حاله، وها أنا اليوم علي من الثياب ما ترون.
قال البرقاني: قلت له يوما: تدعو الناس إلى الزهد وتلبس أحسن الثياب، وتأكل أطيب الطعام، فكيف هذا فقال: كل مايصلحك لله فافعله إذا صلح حالك مع الله.
قال الخلال: قال لي ابن سمعون: ما اسمك قلت: حسن. قال: أعطاك الله الاسم، فسله الحسنى.
وجرت لابن سمعون حكاية في سنة بضع وستين وثلاثمائة. رواها قاضي المارستان عن القضاعي بالإجازة، قال: ثنا علي بن نصر الصباح، ثنا أبو الثناء شكر العضدي، قال: لما دخل عضد الدولة بغداد، وقد هلك أهلها قتلا وخوفا وجوعا، للفتن التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة، فقال: آفة هؤلاء القصاص، فنادى: لا يقص أحد في الجامع ولا الطرف ولا يتوسل بأحد من الصحابة، ومن أحب التوسل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دمه، فوقع في الخبر أن ابن سمعون جلس على كرسيه بجامع المنصور، فأمرني أن أطلبه، فأحضر، فدخل علي رجل له هيئة وعليه نور، فلم أملك أن قمت
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»