تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢٥ - الصفحة ٣٢
فجوره اجتمع أهل الجبال على رجل من الإباضية يقال) له مخلد بن كيداد، وكان شيخا لا يقدر على ركوب الخيل، فركب حمارا. وكان وزيره أعمى، فاجتمع معه خلائق، فسار فحصر القائم بالمهدية. وكان مخلد أعرج يكنى أبا يزيد، وهو من زناتة، قبيلة كبيرة من البربر، وكان يتنسك ويقصر دلقة الصوف، ويركب حمارا، ولا يثبت على الخيل. وكان نافذ الأمر في البربر، زاهدا، دينا، خارجيا. قام على بني عبيد، والناس على فاقة وحاجة لذلك. فقاموا معه وأتوه أفواجا، ففتح البلاد، ودخل القيروان. وتحيز منه المنصور وتحصن بالمهدية التي بناها جده. ونفر مع مخلد الخلق والعلماء والصلحاء، منهم الإمام أبو الفضل التنيسي العباس بن عيسى الفقيه، وأبو سليمان ربيع القطان، وأبو العرب، وإبراهيم بن محمد. قال القاضي عياض في ترجمة العباس بن عيسى هذا: وركب أبو العرب وتقلد مصحفا، وركب الفقهاء في السلاح، وشقوا القيروان وهم يعلنون التكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والترضي على الصحابة. وركزوا بنودهم عند باب الجامع. وهي سبعة بنود حمر فيها: لا إله إلا الله، ولا حكم إلا لله وهو خير الحاكمين وبندان أصفر لربيع القطان فيهما: نصر من الله وفتح قريب وبند مخلد فيه: اللهم أنصر وليك على من سب نبيك وبند أبي العرب فيه: قاتلوا الذين يؤمنون بالله، وبند أصفر لابن نصرون الزاهد فيه: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وبند أبيض فيه: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، وبند أبيض لإبراهيم بن محمد المعروف بالعشاء فيه إن تنصروه فقد نصره الله الآية. وحضرت الجمعة فخطبهم أحمد بن أبي الوليد، وحض على الجهاد. ثم ساروا ونازلوا المهدية. فلما التقوا وأيقن مخلد بالنصر غلب عليه ما عنده من الخارجية، فقال لأصحابه: انكشفوا عن أهل القيروان حتى ينال منهم عدوهم. ففعلوا ذلك، فاستشهد خمسة وثمانون رجلا من العلماء والزهاد، منهم ربيع القطان، والتنيسي، والعشاء.
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»