تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٢١ - الصفحة ٢٣٥
وحاصل الأمر أنه بغى على إسماعيل بن أحمد بن أسد متولي ما وراء النهر، وأراد أخذ بلاده، فبعث إليه إسماعيل يقول: أنا في ثغر وقد قنعت به، وأنت معك الدنيا فاتركني. فلم يدعه، وعزم على حربه، فعبر إسماعيل نهر جيحون إليه بغتة في الشتاء، فخارت قوى عمرو، وأخذ في الهرب في الوحل والبرد. فأحاط به أصحاب إسماعيل وأسروه.
قال ابن عرفة نفطويه النحوي في تاريخه: حدثني محمد بن أحمد بن حيان الكاتب، وكان شخص مع عبد الله بن الفتح حين وجه به إسماعيل بن أحمد قال: كان السبب في انهزام عمرو بن الليث وهربه وهرب أصحاب عند عبور إسماعيل إلى بلخ، مقام عمرو بها، إذ أهلها سئموا مقامه ونزول أصحابه في منازلهم، وإفسادهم أولادهم، ومد أيديهم إلى أموالهم. فوافى إسماعيل، فأقام على باب بلخ مدة. ثم خرج أمير من أمراء إسماعيل في أربعين رجلا إلى موضع فيه ثلج على فرسخ من بلخ. ليحمل لإسماعيل الثلج. فصادف رجالا من أصحاب عمرو في الموضع، فأوقع فيهم وقتل، فانهزموا مجروحين إلى البلد، وأنذروا أصحاب عمرو، وعرفوهم أن إسماعيل قد قدم، فأخذوا في الهزيمة. فركب عسكر إسماعيل أقفيتهم، وخرج عمرو من البلد هاربا عندما رأى من هرب من جيشه من غير حرب جرت. وتقنطر بعمرو الشهري تحته في بحور ووحل على نحو فرسخين. وصادفه غلمان إسماعيل الأتراك وهو قاعد في الموضع والشهري واقفة، فأتوا به، وضرب إسماعيل صاحبهم، فقام إليه إسماعيل وضمه إلى نفسه وقبل عينيه وأجلسه إلى جانبه، وقال: عز والله علي يا أخي ما نالك، وما كنت أحب أن يجري هذا. وأمر بنزع خلقه وثيابه التي استوحل فيها، ودعا بطست وماء ورد) فغسل وجهه ورجليه، وألبسه خلقه، ودعا له بسكنجبين. وفي خلال ذلك تمسح إسماعيل وجه عمر بمنديل معه، فامتنع من السكنجبين، فقال له أبو بكر وزير إسماعيل: إشرب واطمئن.
وأخذ إسماعيل القدح وشرب منه وناوله. ثم دعا بالطعام وأكلا. وقال: أيما أحب إليك، المقام، أو البعث بك إلى أخي أبي يعقوب متولي سمرقند قال: إخلف أنك لا تغدر بي، ولا تغتالني، ولا تسلمني. فحلف له وتوثق. ثم بعث به إلى أخيه.
ووافى عبد الله بن الفتح من المعتضد بالخلع والمال إلى إسماعيل، وبكتاب المعتضد يأمره فيه بتسليم عمرو إليه، فامتنع
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»