تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ١٨ - الصفحة ١٢١
فأمسك أبو عبد الله. فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل.
وجرى بين أبي عبد الله وبين أبي في ذلك كلام كثير، وقال: يا عم، ما بقي من أعمارنا كأنك با لأمر قد نزل بنا، فالله الله فإن أولادنا إنما يريدون يتأكلون بنا، وإنما هي أيام قلائل. لو كشف للعبد عما قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شر، صبر قليل وثواب طويل، وإنما هذه فتنة.
قال أبي: فقلت: أرجو أن يؤمنك الله مما تحذر.
قال: فكيف وأنتم لا تتركون طعامهم ولا جوائزهم، لو تركتموها لتركوكم.
وقال: ما ننتظر إنما هو الموت، فإما إلى جنة وإما إلى نار فطوبى لمن قدم على خير.
قال أبي: فقلت له: أليس قد أمرت، ما جاءك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس أن تأخذه.
قال: قد أخذت مرة بلا إشراف نفسي فالثانية والثالثة فما بال نفسك ألم تستشرف فقلت: ألم يأخذ ابن عمر وابن عباس فقال: ما هذا وذاك وقال: لو أعلم أن هذا المال يؤخذ من وجهه ولا يكون فيه ظلم ولا حيف لم أبال.) قال حنبل: فلما طالت علة أبي عبد الله كان المتوكل يبعث بابن ما سويه المتطبب فيصف له الأدوية، فلا يتعالج، ودخل المطبب على المتوكل فقال: يا أمير المؤمنين، أحمد ليست به علة في بدنه، إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة.
فسكت المتوكل.
وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله، فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل.
فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويسلم
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»