ثم رجع إلى إشبيلية وأقام إلى أثناء سنة ثلاث وتسعين فعاد إلى بلاد الفرنج مرة ثالثة وفعل فيها كفعله المتقدم فلم يبق للفرنج قدرة على لقائه وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فأرسلوا إليه يلتمسون منه الصلح فأجابهم إلى ذلك لما اتصل به من أخبار علي بن إسحاق الميورقي المقدم ذكره في هذه الترجمة فإنه كان قد خرج على بلاد إفريقية وخرب أكثر بلادها وتوجه نحو الغرب وسولت له نفسه النزول على بجاية لما علمه من اشتغال الأمير يعقوب بجزيرة الأندلس والجهاد فيها وتأخره عن بلاد المغرب مدة ثلاث سنين فأوقع الصلح بينه وبين ملوك بلاد الأندلس جميعا على ما اختاره لمدة خمس سنين ثم عاد إلى مراكش في أواخر سنة ثلاث وتسعين ولما وصل إليها أمر باتخاذ الأحواض والروايا وآلات السفر للتوجه إلى بلاد إفريقية فاجتمع إليه مشايخ الموحدين وقالوا له يا سيدنا قد طالت غيبتنا بالأندلس فمنا من له خمس سنين ومنا من له ثلاث سنين وغير ذلك فتنعم علينا بالمهلة هذا العام وتكون الحركة في أول سنة خمس وتسعين فأجابهم إلى سؤالهم وانتقل إلى مدينة سلا وشاهد ما فيها من المتنزهات المعدة له وكان قد بنى بالقرب من المدينة المذكورة مدينة عظيمة سماها رباط الفتح على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم وإتقان البناء وتحسينه وتحصينه وبناها على البحر المحيط الذي هناك وهي على نهر سلا مقابلة لها من البر القبلي وطاف تلك البلاد وتنزه فيها ثم رجع إلى مراكش قلت وبعد هذا اختلفت الروايات في أمره فمن الناس من يقول إنه ترك ما كان فيه وتجرد وساح في الأرض حتى انتهى إلى بلاد الشرق وهو مستخف لا يعرف ومات خاملا ومنهم من يقول إنه لما رجع
(٩)