ورأيت له أيضا كتاب الحماسة في مجلدين وقد قرئت النسخة عليه وعليها خطه كتبه في أواخر شهر ربيع الآخر سنة خمسين وستمائة وقال في آخر الكتاب وكان الفراغ من تأليفه وترتيبه بمدينة تونس حرسها الله تعالى في شوال سنة ست وأربعين وستمائة ونقلت من أوله بعد الحمدلة ما مثاله أما بعد فإني قد كنت في أوان حداثتي وزمان شبيبتي ذا ولوع بالأدب ومحبة في كلام العرب ولم أزل متتبعا لمعانيه ومفتشا عن قواعده ومبانيه إلى أن حصلت لي جملة منه لا يسع الطالب المجتهد جهلها ولا يصلح بالناظر في هذا العلم إلى أن يكون عنده مثلها وحملتني المحبة في ذلك العلم والولوع به على أن جمعت مما اخترته واستحسنته من أشعار العرب جاهليها ومخضرميها وإسلاميها ومولدها ومن اشعار المحدثين من أهل المشرق والأندلس وغيرهم ما تحسن به المحاضرة وتجمل عليه المناظرة ثم إني رأيت أن بقاءها دون أن تدخل تحت قانون يجمعها وديوان يؤلفها مؤذن بذهابها ومؤد إلى فسادها فرأيت أن اضم مختارها وأجمع مستحسنها تحت أبواب تقيد نافرها وتضم نادرها ونظرت في ذلك فلم أجد أقرب تبويب ولا أحسن ترتيب مما بوبه ورتبه أبو تمام حبيب بن أوس رحمه الله تعالى في كتابه المعروف بكتاب الحماسة وحسن الاقتداء به والتوخي لمذهبه لتقدمه في هذه الصناعة وانفراده منها بأوفر حظ وأنفس بضاعة فاتبعت في ذلك مذهبه ونزعت منزعه وقرنت الشعر بما يجانسه ووصلته بما يناسبه ونقحت ذلك واخترته على قدر استطاعتي وبلوغ جهدي وطاقتي قلت وأطال القول بعد هذا بما لا حاجة بنا إلى ذكره ونقلت منه شيئا فمن ذلك ما ذكره في باب المراثي قال أبو علي القالي البغدادي أنشدنا أبو بكر ابن دريد قال أنشدنا أبو حاتم السجستاني (ألا في سبيل الله ماذا تضمنت * بطون الثرى واستودع البلد القفر)
(٢٣٩)