فضحكت فقال لي مم ضحكك فقلت خيرا أبقى الله أمير المؤمنين قال لتخبرني وألح علي فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها فعجب من ذلك وقال لعمري إن العلم لينفع دنيا ودينا وترحم على أبي حنيفة وقال كان ينظر بعين عقله مالا يراه بعين رأسه وحكى علي بن المحسن التنوخي عن أبيه عن جده قال كان سبب اتصال أبي يوسف بالرشيد أنه كان قدم بغداد بعد موت أبي حنيفة رحمه الله تعالى فحنث بعض القواد في يمين فطلب فقيها يستفتيه فجيء بأبي يوسف فأفتاه أنه لم يحنث فوهب له دنانير وأخذ له دارا بالقرب منه ودخل القائد يوما على الرشيد فوجده مغموما فسأله عن سبب غمه فقال شيء من أمر الدين قد حزنني فاطلب فقيها كي أستفتيه فجاءه بأبي يوسف قال أبو يوسف فلما دخلت إلى ممر بين الدور رأيت فتى حسنا عليه أثر الملك وهو في حجرة محبوس فأومأ إلي بأصبعه مستغيثا فلم أفهم منه إرادته وأدخلت إلى الرشيد فلما مثلت بين يديه سلمت ووقفت فقال لي ما اسمك فقلت يعقوب أصلح الله أمير المؤمنين قال ما تقول في إمام شاهد رجلا يزني هل يحده قلت لا فحين قلتها سجد الرشيد فوقع لي أنه قد رأى بعض أهله على ذلك وأن الذي أشار إلي بالاستغاثة هو الزاني ثم قال الرشيد من أين قلت هذا قلت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ادرأوا الحدود بالشبهات وهذه شبهة يسقط الحد معها قال وأي شبهة مع المعاينة قلت ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى والحدود لا تكون بالعلم وليس لأحد أخذ حقه بعلمه فسجد مرة أخرى وأمر لي بمال جزيل وأن ألزم الدار فما خرجت حتى جاءتني هدية الفتى وهدية أمه وجماعته وصار ذلك أصلا للنعمة ولزمت الدار فكان هذا الخادم يستفتيني وهذا يشاورني ولم يزل حالي يقوى عند الرشيد حتى قلدني القضاء قلت وهذا يخالف ما نقلته قبل هذا من أنه ولي القضاء لثلاثة من الخلفاء والله أعلم بالصواب
(٣٨١)