وأما يحيى فإنه كان من النبل والعقل وجميع الخلال على أكمل حال وكان المهدي بن أبي جعفر المنصور قد ضم إليه ولده هارون الرشيد وجعله في حجره فلما استخلف هارون عرف له حقه وقال له يا أبت أنت أجلستني في هذا المجلس ببركتك ويمنك وحسن تدبيرك وقد قلدتك الأمر ودفع له خاتمه وفي ذلك يقول الموصلي وأظنه إبراهيم النديم أو ابنه إسحاق (ألم تر أن الشمس كانت سقيمة * فلما ولي هارون أشرق نورها) (بيمن أمين الله هارون ذي الندى * فهارون واليها ويحيى وزيرها) وكان يعظمه وإذا ذكره قال أبي وجعل إصدار الأمور وإيرادها إليه إلى أن نكب البرامكة فغضب عليه وخلده في الحبس إلى أن مات فيه وقتل ابنه جعفرا حسبما تقدم شرحه في ترجمته وكان من العقلاء الكرماء البلغاء ومن كلامه ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الهدية والكتاب والرسول وكان يقول لولده اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون وكان يقول الدنيا دول والمال عارية ولنا بمن قبلنا أسوة وبمن بعدنا عبرة وقال الفضل بن مروان المقدم ذكره سمعت يحيى بن خالد يقول من لم أحسن إليه فأنا مخير فيه ومن أحسنت إليه فأنا مرتهن به وقال القاضي يحيى بن أكثم سمعت المأمون يقول لم يكن كيحيى بن خالد وكولده أحد في الكفاية والبلاغة والجود والشجاعة ولقد صدق القائل حيث يقول (أولاد يحيى أربع * كأربع الطبائع) (فهم إذا اختبرتهم * طبائع الصنائع) قال القاضي فقلت له يا أمير المؤمنين أما الكفاية والبلاغة والسماحة
(٢٢١)