فقال لي يا معمر بلغني أن عندك كتابا حسنا في صفة الخيل أحب أن أسمعه منك فقال الأصمعي وما تصنع بالكتب يحضر فرس ونضع أيدينا على عضو عضو منه ونسميه ونذكر ما فيه فقال الرشيد يا غلام فرس فأحضر فرس فقام الأصمعي فجعل يضع يده على عضو عضو منه ويقول هذا كذا قال فيه الشاعر كذا حتى انقضى قوله فقال لي الرشيد ما تقول فيما قال فقلت أصاب في بعض وأخطأ في بعض والذي أصاب فيه مني تعلمه والذي أخطأ فيه ما أدري من أين أتى به وبلغ أبا عبيدة أن الأصمعي يعيب عليه كتاب المجاز فقال يتكلم في كتاب الله تعالى برأيه فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو فركب حماره في ذلك اليوم ومر بحلقته فتزل عن حماره وسلم عليه وجلس عنده وحادثه ثم قال له أبا سعيد ما تقول في الخبز أي شيء هو فقال هو الذي تخبزه وتأكله فقال أبو عبيدة فقد فسرت كتاب الله تعالى برأيك فإن الله تعالى قال * (وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا) * (يوسف 26) فقال الأصمعي هذا شيء بان لي فقلته ولم أفسره برأيي فقال أبو عبيدة والذي تعيب علينا كله شيء بان لنا فقلناه ولم نفسره برأينا وقام فركب حماره وانصرف وزعم الباهلي صاحب كتاب المعاني أن طلبة العلم كانوا إذا أتوا مجلس الأصمعي اشتروا البعر في سوق الدر وإذا أتوا مجلس أبي عبيدة اشتروا الدر في سوق البعر لأن الأصمعي كان حسن الإنشاد والزخرفة لرديء الأخبار والأشعار حتى يحسن عنده القبح وإن الفائدة عنده مع ذلك قليلة وإن أبا عبيدة كان معه سوء عبارة مع فوائد كثيرة وعلوم جمة ولم يكن أبو عبيدة يفسر الشعر وقال المبرد كان أبو زيد الأنصاري أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة بالنحو وكانا بعده يتقاربان وكان أبو عبيدة أكمل القوم وكان علي بن المديني يحسن ذكر أبي عبيدة ويصحح روايته وقال كان لا يحكي عن العرب إلا الشيء
(٢٣٧)