من الاستعداد لهم وهربوا منهم ونجا نور الدين بنفسه وهي وقعة مشهورة معروفة ونزل على بحيرة قدس بالقرب من حمص وبينه وبين الفرنج مقدار أربعة فراسخ فسير إلى حلب وبقية البلاد وأحضروا الأموال الكثيرة وأنفقها ليقوي جيشه ثم يعود إليهم فيستوفي الثار فقال له بعض أصحابه إن في بلادك إدرارات وصدقات وصلات كثيرة على الفقهاء والصوفية والقراء ولو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح فغضب من ذلك غضبا شديدا وقال إني لا أرجو النصر إلا بأولئك فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا بسهام قد تصيب وتخطيء وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال فكيف يحل أن أعطيه غيرهم وكان أسمر اللون طويل القامة حسن الصورة ليس بوجهه شعر سوى ذقنه 245 وكان قد عهد بالملك إلى ولده الملك الصالح عماد الدين إسماعيل وعمره يوم مات أبوه إحدى عشرة سنة فقام بالأمر من بعده وانتقل من دمشق إلى حلب ودخل قلعتها يوم الجمعة مستهل المحرم سنة سبعين وخمسمائة وخرج السلطان صلاح الدين من مصر وملك دمشق وغيرها من بلاد الشام ولم يبق عليه سوى مدينة حلب ولم يزل الصالح بها إلى أن توفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة وذكروا أنه لم يبلغ عشرين سنة والله أعلم وكان مبدأ مرضه في تاسع شهر رجب من السنة المذكورة وحدث له قولنج في مستهل جمادى الأولى وكان لموته وقع عظيم في قلوب الناس وتأسفوا عليه لأنه كان محسنا محمود السيرة ودفن في المقام الذي في القلعة ثم نقل إلى رباطه المعروف به تحت القلعة وهو مشهور هناك رحمه الله تعالى 246 وتوفي مجير الدين أبق المذكور في سنة أربع وستين وخمسمائة ببغداد
(١٨٨)