وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ٤ - الصفحة ٣٦٤
تجري يوم الرهان بأقبال أربابها لا بعروقها ونصابها ولكل امرئ حظ من مواتاة زمانه يقضى في ظله أرب ويدرك مطلب ويتوسع مراد ومذهب حتى إذا عدت عن إجتماعنا عواد من الأيام قصدت مستقره وتحتي بغلة سفواء تنظر عن عيني باز وتتشوف بمثل قادمتي نسر وهي مركب رائع وكأنني كوكب وقاد من تحته غمامة يقتادها زمام الجنوب وبين يدي عدة من الغلمان الروقة مماليك وأحرار يتهافتون تهافت فريد الدر عن أسلاكه ولم أورد هذا متبجحا ولا متكثرا بذكره بل ذكرته لأن أبا الطيب شاهد جميعه في الحال ولم ترعه روعته ولا استعطفه زبرجه ولا زادته تلك الجملة الجميلة التي ملت أتهمه طرفه وقلبه إلا عجبا بنفسه وإعراضا عني بوجهه وكان قد أقام هناك سوقا عند أغيلمة لم ترضهم العلماء ولا عركتهم رحى النظراء ولا أنضوا أفكارا في مدارسة الأدب ولا فرقوا بين حلو الكلام ومره وسهله ووعره وإنما غاية أحدهم مطالعة شعر أبي تمام وتعاطي الكلام على نبذ من معانيه وعلى ما تعلقت الرواة مما يجوز فيه فألفيت هناك فتية تأخذ عنه شيئا من شعره فحين أوذن بحضوري وإستؤذن عليه لدخولي نهض من مجلسه مسرعا ووارى شخصه عني مستخفيا وأعجلته نازلا عن البغلة وهو يراني لإنتهائي بها إلى حيث أخذها طرفه ودخلت فأعظمت الجماعة قدري وأجلستني في مجلسه وإذا تحته أخلاق عباءة قد ألحت عليها الحوادث فهي رسوم داثرة وأسلاك متناثرة فلم يكن إلا ريثما جلست فنهضت فوفيته حق السلام غير مشاح له في القيام لأنه إنما اعتمد بنهوضه عن الموضع ألا ينهض إلي والغرض كان في لقائه غير ذلك وحين لقيته تمثلت بقول الشاعر (وفي الممشى إليك علي عار * ولكن الهوى منع القرارا)
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»