وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشد إليه الرحال من الأقطار وحكى شرف الدين بن عنين الأتي ذكره إن شاء الله تعالى أنه حضر درسه يوما وهو يلقي الدروس في مدرسته بخوارزم ودرسه حافل بالأفاضل واليوم شات وقد سقط ثلج كثير وخوارزم بردها شديد إلى غاية ما يكون فسقطت بالقرب منه حمامة وقد طردها بعض الجوارح فلما وقعت رجع عنها الجارح خوفا من الناس الحاضرين فلم تقدر الحمامة على الطيران من خوفها وشدة البرد فلما قام فخر الدين من الدرس وقف عليها ورق لها وأخذها بيده فأنشد بن عنين في الحال (يا ابن الكرام المطعمين إذا شتوا * في كل مسغبة وثلج خاشف) (العاصمين إذا النفوس تطايرت * بين الصوارم والوشيج الراعف) (من نبأ الورقاء أن محلكم * حرم وأنك ملجأ للخائف) (وفدت عليك وقد تدانى حتفها * فحبوتها ببقائها المستأنف) (ولو أنها تحبى بمال لانثنت * من راحتيك بنائل متضاعف) (جاءت سليمان الزمان بشكوها * والموت يلمع من جناحي خاطف) (قرم لواه القوت حتى ظله * بإزائه يجري بقلب واجف) ولابن عنين المذكور فيه قصيدة من جملتها (ماتت به بدع تمادى عمرها * دهرا وكاد ظلامها لا ينجلي) (فعلا به الإسلام أرفع هضبة * ورسا سواه في الحضيض الأسفل) (غلط امرؤ بأبي علي قاسه * هيهات قصر عن مداه أبو علي) (لو أن رسطاليس يسمع لفظة * من لفظه لعرته هزت أفكل) (ولحار بطليموس لو لقاه من * برهانه في كل شكل مشكل) (ولو أنهم جمعوا لديه تيقنوا * أن الفضيلة لم تكن للأول)
(٢٥١)