ابن عبد الله الإربلي الأديب المجيد في صناعة الألحان وغير ذلك فإنه جاءني إلى مجلس الحكم العزيز بالقاهرة المحروسة في بعض شهور سنة خمس وأربعين وستمائة وقعد عندي ساعة وكان الناس يزدحمون لكثرة أشغالهم حينئذ ثم نهض وخرج فلم أشعر إلا وقد حضر غلامه وعلى يده رقعة مكتوب فيها هذه الأبيات (يا أيها المولى الذي بوجوده * أبدت محاسنها لنا الأيام) (إني حججت إلى مقامك حجة الأشواق * لا ما يوجب الإسلام) (وأنخت بالحرم الشريف مطيتي * فتسربت واستاقها الأقوام) (فظللت أنشد عند نشداني لها * بيتا لمن هو في القريض إمام) (وإذا المطي بنا بلغن محمدا * فظهورهن على الرجال حرام) فوقفت عليها وقلت لغلامه ما الخبر فذكر أنه لما قام من عندي وجد مداسه قد سرق فاستحسنت منه هذا التضمين والعرب يشبهون النعل بالراحلة وقد جاء هذا في شعر المتقدمين والمتأخرين واستعمله المتنبي في مواضع من شعره ثم جاءني من بعد جمال الدين المذكور وجرى ذكر هذه الأبيات فقلت له ولكن أنا اسمي أحمد لا محمد فقال علمت ذلك ولكن أحمد ومحمد سواء وهذا التضمين حسن ولو كان الاسم أي شيء كان وكان محمد الأمين المقدم ذكره قد سخط على أبي نواس لقضية جرت له معه فتهدده بالقتل وحبسه فكتب إليه من السجن (بك أستجير من الردى * متعوذا من سطو باسك) (وحياة رأسك لا أعود * لمثلها وحياة رأسك) (من ذا يكون أبا نواسك * إن قتلت أبا نواسك)
(٩٩)