أبي الحسين النحوي المنبوز بثلط الفيل المتصدر في موضعه وقيل إن كل واحد من هؤلاء كان يهبها لتلميذه ويعهد إليه بحفظها ولقد اجتهد جماعة من الطلبة في نسخها فلم يتمكنوا من ذلك وانتفع الناس بعلمه وتصانيفه وكانت وظيفته بمصر أن ديوان الإنشاء لا يخرج منه كتاب حتى يعرض عليه ويتأمله فإن كان فيه خطأ من جهة النحو أو اللغة أصلحه كاتبه وإلا استرضاه فسيروه إلى الجهة التي كتب إليها وكان له على هذه الوظيفة راتب من الخزانة يتناوله في كل شهر وأقام على ذلك زمانا ويحكى أنه كان يوما في سطح جامع مصر وهو يأكل شيئا وعنده ناس فحضرهم قط فرموا له لقمة فأخذها في فيه وغاب عنهم ثم عاد إليهم فرموا له شيئا آخر ففعل كذلك وتردد مرارا كثيرة وهم يرمون له وهو يأخذه ويغيب به ثم يعود من فوره حتى عجبوا منه وعلموا أن مثل هذا الطعام لا يأكله وحده لكثرته فلما استرابوا حاله تبعوه فوجدوه يرقى إلى حائط في سطح الجامع ثم ينزل إلى موضع خال صورة بيت خراب وفيه قط اخر أعمى وكل ما يأخذه من الطعام يحمله إلى ذلك القط ويضعه بين يديه وهو يأكله فعجبوا من تلك الحال فقال ابن بابشاذ إذا كان هذا حيوانا أخرس قد سخر الله سبحانه وتعالى له هذا القط وهو يقوم بكفايته ولم يحرمه الرزق فكيف يضيع مثلي ثم قطع الشيخ علائقه واستعفى من الخدمة ونزل عن راتبه ولازم بيته واشتغاله متوكلا على الله سبحانه وتعالى وما زال محروسا محمول الكلفة إلى أن مات عشية اليوم الثالث من رجب سنة تسع وستين وأربعمائة بمصر ودفن في القرافة الكبرى رحمه الله تعالى وزرت بها قبره وقرأت تاريخ وفاته على حجر عند رأسه كما هو هاهنا وكان سبب موته أنه لما انقطع وجمع أطرافه وباع ما حوله وأبقى ما لا
(٥١٦)