جناب الوزير جمال الدين الأصبهاني المعروف بالجواد الآتي ذكره في حرف الميم إن شاء الله تعالى فتلقاه بالإقبال وأحسن إليه وأقام في كنفه مدة وكانت كتبه قد تخلفت ببغداد فاستولى الغرق تلك السنة على البلد فسير من يحضرها إليه إن كانت سالمة فوجدها قد غرقت وكان خلف داره مدبغة فغرقت أيضا وفاض الماء منها إلى داره فتلفت الكتب بهذا السبب زيادة على إتلاف الغرق وكان قد أفنى في تحصيلها عمره فلما حملت إليه على تلك الصورة أشاروا عليه أن يطيبها بالبخور ويصلح منها ما أمكن فبخرها باللاذن ولازم ذلك إلى أن بخرها بأكثر من ثلاثين رطلا لاذنا فطلع ذلك إلى رأسه وعينيه فأحدث له العمى وكف بصره وانتفع عليه خلق كثير ورأيت الخلق يشتغلون في تصانيفه المذكورة بالموصل وتلك الديار اشتغالا كثيرا وكانت وفاته يوم الأحد غرة شوال سنة تسع وستين وخمسمائة وقال ابن المستوفي سنة ست وستين بالموصل رحمه الله تعالى ودفن بمقبرة المعافى بن عمران بباب الميدان ومولده عشية الخميس سادس وعشرين رجب سنة أربع وتسعين وأربعمائة ببغداد بنهر طابق وهي محلة بها وقيل يوم الجمعة وله نظم حسن فمنه قوله (لا تجعل الهزل دأبا فهو منقصة * والجد تغلو به بين الورى القيم) (ولا يغرنك من ملك تبسمه * ما تصخب السحب إلا حين تبتسم) وله أيضا (ولا تحسبن أن بالشعر * مثلنا ستصير) (فللدجاجة ريش لكنها لا تطير) وله أيضا (لا غرو أن أخشى فراقكم * وتخشاني الليوث)
(٣٨٣)