نحوهم الحكيم أبو عبد الله الناتلي فأنزله أبو الرئيس أبي علي عنده فابتدأ أبو علي يقرأ عليه كتاب إيساغوجي وأحكم عليه علم المنطق وإقليدس والمجسطي وفاقه أضعافا كثيرة حتى أوضح له منها رموزا وفهمه إشكالات لم يكن للناتلي يد بها وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد يقرأ ويبحث ويناظر ولما توجه الناتلي نحو خوارزم شاه مأمون بن محمد اشتغل أبو علي بتحصيل العلوم كالطبيعي والإلهي وغير ذلك ونظر في النصوص والشروح وفتح الله عليه أبواب العلوم ثم رغب بعد ذلك في علم الطب وتأمل الكتب المصنفة فيه وعالج تأدبا لا تكسبا وعلمه حتى فاق فيه الأوائل والأواخر في أقل مدة وأصبح فيه عديم القرين فقيد المثل واختلف إليه فضلاء هذا الفن وكبراؤه يقرؤون عليه أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة وسنه إذ ذاك نحو ست عشرة سنة وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع وصلى ودعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له وذكر عند الأمير نوح بن نصر الساماني صاحب خراسان في مرض مرضه فأحضره وعالجه حتى بريء واتصل به قرب منه ودخل إلى دار كتبه وكانت عديمة المثل فيها من كل فن من الكتب المشهورة بأيدي الناس وغيرها مما لا يوجد في سواها ولا سمع باسمه فضلا عن معرفته فظفر أبو علي فيها بكتب من علم الأوائل وغيرها وحصل نخب فوائدها واطلع على أكثر علومها واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة فتفرد أبو علي بما حصله من علومها وكان يقال إن أبا علي توصل إلى إحراقها لينفرد بمعرفة ما حصله منها وينسبه إلى نفسه ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها وتوفي أبوه وسن أبي علي اثنتان وعشرون سنة وكان يتصرف
(١٥٨)