وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - ابن خلكان - ج ١ - الصفحة ٢٢١
لا يقدر أن يقوم فغار الشعراء من ذلك فجمعهم ثم قال يا معشر الشعراء عجبا لكم ما أشد حسدكم بعضكم بعضا إن أحدكم يأتينا ليمدحنا بقصيدة يشبب فيها بصديقته بخمسين بيتا فما يبلغنا حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره وقد أتانا أبو العتاهية فشبب بأبيات يسيرة ثم قال وأنشد الأبيات المذكورة فما لكم منه تغارون وكان أبو العتاهية لما مدحه بهذه الأبيات تأخر عنه بره قليلا فكتب إليه يستبطئه (أصابت علينا جودك العين يا عمر * فنحن لها نبغي التمائم والنشر) (سنرقيك بالأشعار حتى تملها * وإن لم تفق منها رقيناك بالسور) قال أشجع السلمي الشاعر المشهور أذن الخليفة المهدي للناس في الدخول عليه فدخلنا فأمرنا بالجلوس فاتفق أن جلس بجنبي بشار بن برد وسكت المهدي فسكت الناس فسمع بشار حسا فقال لي من هذا فقلت أبو العتاهية فقال أتراه ينشد في هذا المحفل فقلت أحسبه سيفعل قال فأمره المهدي أن ينشد فأنشد (ألا ما لسيدتي مالها * أدلت فأحمل إدلالها) قال فنخسني بشار بمرفقه وقال ويحك أرأيت أجسر من هذا ينشد مثل هذا الشعر في مثل هذا الموضع حتى بلغ إلى قوله (أتته الخلافة منقادة * إليه تجرر أذيالها) (فلم تك تصلح إلا له * ولم يك يصلح إلا لها) (ولو رامها أحد غيره * لزلزلت الأرض زلزالها)
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»