اشتغالا * وكانت ملوك الفرس لا تؤثر شيئا من بلدان مملكتهم على إصبهان لطيب هوائها وتميز مائها ونسيم تربتها والشاهد على ذلك ما هو مودع في كتبهم التي يأثرها أهل بيت النوشجان وإسحاق ابني عبد المسيح عن جدهم المنتقل من الروم إلى إصبهان فاستوطنها وتناسل بها * ذكر النوشجان عن عمه يعقوب النصراني كاتب أحمد بن عبد العزيز أن فيروز بن يزدجرد كتب إلى بعض ملوك الروم يستهديه كبيرا من حكمائهم وحاذقا من أطبائهم فاختار من بلدان مملكته رجلا فلما وفد على فيروز قال له أيها الحكيم أنهضناك إلى أرضنا لنختار من بلدان مملكتنا لنا بلدا تصح به هذه الأركان الأربعة الكبار التي بسلامتها يطول بقاء الحيوان وباعتدالها تصحب الأجسام الصحة وتزايلها العلة يعنى بالأركان الأرض والماء والهواء والنار فقال أيها الملك وكيف أدرك ذلك قال استقر بلدان مملكتنا فما وقع اختيارك عليه فاكتب إلى منه لا تقدم بالزيادة فيه وأتخذه دار مملكتي وأتحول إليه فانتدب الرومي طائفا في بلدان مملكته ووقع اختياره على إصبهان فأقام بها وكتب إليه إني طفت في مملكتك فانتهيت إلى بلد لا يشوب شيئا من أركانه فساد وقد نزلت أنا منه فيما بين حصني قرية يوان فإن رأى الملك أن يقطعني ما بين الحصنين من أرض يوان ويطلق لي بناء كنيسة ودار فأطلق له مسئلته فبنى داره بإزاء الحصنين ووقعت رقعتها في الموضع الذي فيه دار النوشجان وإسحاق من يوان إلى الساعة وبنى البيعة بإزاء الحصن الآخر * وعنى بالحصن الآخر موضع رقعة مسجد الجامع اليوم إذ كان حينئذ حصنان من حصون قرية يوان ووقعت رقعة البيعة عند المسجد الذي على طرف ميدان سليمان وبناؤه باق إلى الساعة * وتقدم الملك فيروز إلى أردسابور بن آذر مانان الإصبهاني من فوره ذلك بإتمام بناء سورة مدينة جي وتعليق أبوابها فعزم فيروز على التحول من العراق إلى إصبهان ثم انتقض عزمه بخروجه إلى أرض الهياطلة وهلاكه
(٣٤)