أما ما ذكرت من هذا الشأن أنه لكم أولا، فإنما كان لرسول الله [22 ب] صلى الله عليه وسلم لما اختصه الله برسالته واصطفاه على خلقه، دعا الناس إلى طاعته، وكان أحب الناس إليه من أجاب وأناب، فدعانا ودعاكم، فأجبنا وأبيتم، وأتينا وكرهتم، وسمعنا وصممتم، وأطعنا وعصيتم، وأسلمنا وكفرتم، كل ذلك نحن في حزبه وأنتم في حربه، فأنا أولى به منك، لان الله تعالى يقول: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) * (1). ولي بعد هذا ما ليس لك، إن عمتي خديجة زوجته وأم ولده، وإن عائشة أم المؤمنين خالتي، وإن جدتي صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لي دونك. وأما قولك - إنه ثاب (2) إليكم آخرا، فقد لعمري كان ذلك كذلك بطغامك، وإقدامك على غير مشورة من المسلمين، ولا اجتماع من المهاجرين، فبهم غلبتم وتأمرتم واستكبرتم واستأثرتم، فلا أنتم أنصفتمونا، ولاهم نصرونا، فهنالك يا يزيد رأيت النظر الشزر، وسمعت تنفس الصعداء، فلا تعجب يا بني فإنك لم تر عجبا، وستراه إن بقيت إن شاء الله. فقال يزيد: ألا تراه يا أمير المؤمنين يوعدنا في وجوهنا! فقال معاوية:
عزمة مني عليك لما صمت، إن الحلم عز، والجهل ذل، فمن حلم ظفر، ومن جهل خسر، فالزم الطريق، ودع [23 أ] المضيق، يك ذلك خيرا لك في دنياك وآخرتك إن شاء الله. ثم أقبل على ابن عباس فقال:
ألا ترى ما يجئ به هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ابن عمك، إن أحسن فاقبل، وإن أساء فأجمل، وكن في ذلك كما قال الأول:
عودت كندة عادة فاصبر لها * احلم لجاهلها ورو سجالها