[فقلت لأصحابي: قوموا إلى ابن عباس، وهو يومئذ بمكة وقد كف بصره، فنكون أول من يخبره هذا الخبر فنسمع ما يقول. فقمنا واستأذنا عليه، ودخلنا وإذا بين يديه خوان ولما يوضع الخبز، فسلمنا وقلنا: هل أتاك الخبر يا أبا العباس؟ قال: وما هو؟ قلنا: بريد نعى معاوية] (1)، قال (2):
ارفع خوانك يا غلام، ثم ظل واجما، مطأطئ الرأس لا يتكلم طويلا، ثم [55 أ] رفع رأسه فقال:
جبل تزعزع ثم مال بركنه * في البحر لارتقت عليه الأبحر اللهم فإنك أوسع لمعاوية، أما والله ما كان مثل من كان قبله، وما بعده مثله، وإن ابنه هذا لمن صالحي أهل بيته لقومه، ما نحن وبنو عمنا إلا كعضوي (3) لقمان، قتل صاحبنا غيرهم فأغرينا بهم وقتل صاحبهم غيرنا فأغروا بنا. أما والله ما أغراهم بنا إلا أنهم لم يجدوا مثلنا، وقد قال الأول: ألطمك أني لا أجد مثلك، فاتقوا الله يا معشر فتيان قريش، ولا تقولوا: جد بني أمية، ذهب لعمر الله جدهم، وبقيت بقية هي أطول مما مضى، الزموا منازلكم، وأدوا بيعتكم، قرب خوانك يا غلام.
فإنا لنتغدى (4) إذ جاء رسول أمير مكة فقال: إن الأمير يدعوك إلى البيعة، فقال: ما تصنعون برجل قد ذهب منه ما تخافون؟ قل له: افرغ مما عندك، فإذا سهل المشي إليك أتيتك فصنعت ما تريد. فلما خرج الرسول قلنا:
يا أبا العباس! أتبايع يزيد وهو يشرب الخمر؟ قال: أين ما قلت لكم