وكان كاوس ملك اشروسنة كتب إلى الفضل بن سهل، المعروف بذى الرياستين، وهو وزير المأمون وكاتبه، يسأله الصلح على مال يؤديه على أن لا يغزي المسلمين بلده. فأجيب إلى ذلك. فلما قدم المأمون رحمه الله إلى مدينة السلام امتنع كاوس من الوفاء بالصلح. وكان له قهرمان أثير عنده قد زوج ابنته من الفضل بن كاوس. فكان يقرظ الفضل عنده ويقربه من قلبه ويذم حيدر بن كاوس المعروف بالأفشين ويشنعه. فوثب حيدر على القهرمان فقتله على باب كنب مدينتهم، وهر إلى هاشم بن محور الختلي. وكان هاشم ببلده مملكا عليه. فسأله أن يكتب إلى أبيه في الرضى عليه.
وكان كاوس قد زوج أم جنيد حين قتل قهرمانه طراديس، وهرب ببعض دهاقينه. فلما بلغ حيدر ذلك أظهر الاسلام وشخص إلى مدينة السلام، فوصف للمأمون سهولة الامر في أشر وسنة، وهون عليه ما يهوله الناس من خبرها، ووصف له طريقا مختصرة إليها. فوجه المأمون أحمد بن أبي خالد الأحول الكاتب لغزوها في جيش عظيم. فلما بلغ كاوس اقباله نحوه بعث الفضل ابن كاوس إلى الترك يستنجدهم، فأنجده منهم الدهم. وقدم أحمد (ص 430) ابن أبي خالد بلد اشروسنة، فأناخ على مدينتها قبل موافاة الفضل بالأتراك.
فكان تقدير كاوس فيه أن يسلك الطرق البعيدة، وأنه لا يعرف هذه الطريق المختصرة، فسقط في يده ونخب قلبه فاستسلم، وخرج في الطاعة. وبلغ الفضل خبره فانحاز بالأتراك إلى مفازة هناك، ثم فارقهم وسار جادا حتى أتى أباه فدخل في أمانه. وهلك الأتراك عطشا. وورد كاوس مدينة السلام فأظهر الاسلام وملكه المأمون على بلاده. ثم ملك حيدر ابنه وهو الأفشين بعده.
وكان المأمون رحمه الله يكتب إلى عماله على خراسان في غزو من لم يكن على الطاعة والاسلام من أهل ما وراء النهر، ويوجه رسله فيفرضون لمن رغب