ويقال إن المقوقس صالح عمرا على ثلاثة عشر ألف دينار، على أن يخرج من الإسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام، وعلى أن يفرض على كل حالم من القبط دينارين. فكتب لهم بذلك كتابا. ثم إن عمرو ابن العاصي استخلف على الإسكندرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي ابن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي في رابطة من المسلمين وانصرف إلى الفسطاط. وكتب الروم إلى قسطنطين بن هرقل، وهو كان الملك يومئذ، يخبرونه بقلة من عندهم من المسلمين، وبما هم فيه من الذلة وأداء الجزية. فبعث رجلا من أصحابه يقال له منويل في ثلاث مئة مركب مشحونة بالمقاتلة. فدخل الإسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا، وذلك في سنة خمس وعشرين. وبلغ عمرا الخبر فسار إليهم في خمسة عشر ألفا، فوجد مقاتلتهم قد خرجوا يعيثون فيما يلي الإسكندرية من قرى مصر. فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون، ثم صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب، فاقتتلوا قتالا شديدا. ثم إن أولئك الكفرة ولوا منهزمين، فلم يكن لهم ناهية ولا عرجة دون الإسكندرية.
فتحصنوا بها ونصبوا العرادات. فقاتلهم عمرو عليها أشد قتال، ونصب المجانيق فأخرب جدرها، وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة، فقتل المقاتلة وسبى الذرية. وهرب بعض رومها إلى الروم، وقتل عدو الله منويل. وهدم عمرو والمسلمون جدار الإسكندرية، وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك.
وقال بعض الرواة: إن هذه الغزاة كانت في سنة ثلاث وعشرين. وروى بعضهم أنهم نقضوا في سنة ثلاث عشرين (ص 221) وسنة خمس وعشرين والله أعلم.