العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٧٤
أبو بكر يا رسول الله! قال النبي صلى الله عليه: الأيمن فالأيمن (1).
ولم ينقلوا هذا الحديث ليخبروا عن فضيلة أبى بكر ولا عن قرب مقعده ولا عن تقديم عمر له، ولا أن عادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت التقديم له، ولا قال عمر ذلك على التذكير له، وإنما أرادوا أن يخبروا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الشرب، وعن فضيلة اليمين على اليسار، وعن التعريف لحرمة المجلس.
ولو كان هذا الخبر في علي وعثمان ما كان الامر إلا كما أخبروا أنهم لم يقصدوا في الحديث إلا تفضيل اليمين على اليسار.
فإن قالوا: فإن عليا كان أفقه من أبى بكر وأعلم بالحرام والحلال منه. والدليل على ذلك أن كثرة ما نقلوا إلينا من اختياراته وأقاويله في الحادثات. من الحلال والحرام. وأبواب الفقه والفتيا والتأويل، مع كثرة الرواية المسندة، وكان يسأل ولا يسأل، ولم يرجع عن شئ قط وليس أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا وله رجعة وأكثر من ذلك، ولم يسمع لأبي بكر بفتيا كثير ولا كثير رواية، ورأس الدين الفقه فيه والعلم به. فلما كان أبو بكر وعلي بن أبي طالب على ما وصفنا وذكرنا، علمنا أن أفقههما أفضل فضلا وأولى بالإمامة، لان عمل الفقه أفضل من غيره، لان أولى الناس بالمسلمين أعلمهم بدينهم، لان من علم الدين لم يجهل أمر الدنيا، لان أمور الدنيا مياسرة أو شبيه بعلم المياسرة، وعلم الدين مستنبط وتأويله غامض.
قالت (العثمانية) عند ذلك: أما العدل والقسط فأن ننظر يوم توفى النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعلى حيان ظاهر أمرهما، معروف قدرهما

(١) روى من حديث أنس بن مالك في صحيح البخاري فتح الباري ١٠: ٦٦، 75.
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»