العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٧٥
واحتمالهما للعلم والعمل. فلعمري لئن كان لعلى من طول الصحبة وكثرة السماع ومفاوضة الرسول الا [مر]، والمعرفة، وكثرة الارشاد للأمة وصحة الرأي وكثرة الصواب، وكان الناس إليه أشد فزعا [و] ظهر من روايته وحاجة الناس إلى فقهه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيام وفاته وأيام أبى بكر، أكثر مما ظهر من أبى بكر في ذلك الدهر، إنه لافقه منه في الدين وأعلم بأبواب الدنيا.
[و] لئن كان إنما كثر مما نقل الناس عنه لأنه عاش والحادثات تحدث، وبقى حتى كان يستفتى ويفتى ويسأل ويجيب، ويروى عنه في الزمان الذي كان يستفتى فيه مثل أبي هريرة، وأنس بن مالك، وابن عمر، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرو، فكان ذلك منه أيام أبى بكر وهى سنتان، وأيام عمر وهى عشر سنين، وأيام عثمان وهى اثنتا عشرة سنة، وأيام نفسه وهى خمس سنين، فليس في ذلك حجة ولا دليل، لأنك تحصى ما يقول الرجل في الدهر الطويل مع كثرة الحادثات، وما يقول الرجل في الدهر القصير مع قلة الحادثات، وإنما ينبغي أن ننظر يوم توفى النبي صلى الله عليه من كان أفضل المسلمين وأفقه في الدين، وأعرف بالأمور، وأصوب رأيا وأشد احتمالا، في ذلك الوقت الذي اختير فيه للخلافة، ونحن نعلم أن عليا لو عاش إلى دهر الحسن وابن سيرين لكان قد ازداد فقها وعلما وتجربة على قدره يوم استشهد رضي الله عنه.
ولا يجوز أن نقدر الرجل بقدر (1) طول الزمان وكثرة الحادثات، وبقدر قصر الزمان وقلة الحادثات. فلئن صح (2) عندنا وعندكم أن أمورا

(1) في الأصل: " وإنما يجوز أن نقول الرجل بعد ".
(2) في الأصل: " فليس صح ".
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»