العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٧٣
وعمر عن يساره. فلما صارت الخيل بذى طوى بين الخندمة إلى الحجون، مر النبي صلى الله عليه وأبو بكر يسايره وحده، وإذا بنات أبى أحيحة قد نشرن شعورهن يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فنظر النبي صلى الله عليه إلى أبى بكر وتبسم وقال: كيف كان قال حسان:
* يلطمهن بالخمر النساء * قال أبو بكر:
* تظل جيادنا متمطرات * فهذه حاله وخاصته ومكانه وارتفاع قدره. ألا تراهما خرجا من مكة هاربين مستخفيين مصطحبين، ثم رجعا آمنين ظافرين معلنين مصطحبين.
وصعد أبو قحافة الجبل بصغرى بناته وهو يومئذ مكفوف، فبكت بنته فقال لها: لا تخافي فإن أخاك عتيقا أكبر الناس عنده! فلما دخلوا مكة أقبل أبو بكر بأبيه وهو يومئذ شيخ مكفوف له غديرتان، كأن رأسه ثغامة (1) حتى هجم به على النبي صلى الله عليه وقال: أتيتك بأبي يا رسول الله ليسلم. قال النبي صلى الله عليه: هلا تركت الشيخ في رحله حتى آتيه. فمسح النبي صلى الله عليه يده على صدره، ودعاه إلى الاسلام فأسلم.
وهذا كله يدل على تقديم النبي صلى الله عليه له.
كما نقل الفقهاء أن النبي صلى الله عليه أتى بعس من لبن وهو في أصحابه، وأبو بكر عن يساره ورجل من الاعراب عن يمينه، وأصحابه قد أحبوا سؤره (2)، فشرب النبي وأهوى بالقدح نحو الاعرابى. قال عمر:

(1) الغديرة: الذؤابة. والثغام، بالفتح: نبت أبيض يشبه به الشيب.
(2) رسمت في الأصل: " قد أحبو سورة ".
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»