العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٦٠
جميلا، وكان قصدا مقبولا، ولكنكم أخرجتموه من حد الشجاعة، وظننتم أن السرف أمثل وأجل.
وزعمتم أن الذي (1) منع العرب وقريشا أن تجعله الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان قتل أبناءها وإخوتها وأعمامها، وما يعلم موضع رجل واحد يوم توفى النبي صلى الله عليه وسلم تسمع له الخاصة والعامة وترى له طاعة، قتل على أباه أو ابنه أو أخاه، غير أبي سفيان بن حرب، فقد كان على قتل ابنه حنظلة، وما كان أحد من علية قريش والعرب أقرب إلى أن يخالفه في الحق والباطل في ذلك الدهر من أبي سفيان، وقد كان أكره الناس لأبي بكر حين قال لبنى هاشم وبنى أمية " رضيتم مشر بنى عبد مناف أن يلي أموركم رجل من بنى تيم " فإذا كان الذي قتل على ابنه هو الذي أظهر كراهية أبى بكر من بين الناس فكيف حولتم القضية وقلبتم المعنى؟!
فإن ذكروا أبا حذيفة بن عتبة لان عليا قتل أخاه. قيل: أيكون أبو حذيفة ممن أبى عليا بهذه العلة. وأبو حذيفة شهد بدرا فقاتل أباه وأخاه وعمه. واحتملت نفسه وعزمه وصحة إسلامه هذا الصنيع ثم يجزع من أقل منه بعد الزيادة في الاستبصار، وبعد طول الدهر وموت الأحقاد؟! وهذا مالا يشبه ولا يجوز. وكيف يجوز ذلك عليه وهو من المهاجرين الأولين، والسابقين الأولين، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وقبض النبي صلى الله عليه وهو عنه راض، واستشهد يوم اليمامة ولواء المهاجرين في يده.

(1) في الأصل: " النبي " تحريف.
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»