فأنفقه على نوائب الاسلام وحقوقه، ولم يكن ماله ميراثا لم يكد فيه فهو غزير (1) لا يشعر بعسر اجتماعه (2) وامتناع رجوعه. ولا كان هبة ملك فيكون أسمح لطبيعته وأخرق في إنفاقه، بل كان ثمرة كده وكسب جولانه وتعرضه. ثم لم يكن خفيف الظهر قليل النسل قليل العيال، فيكون قد جمع اليسارين، [لان المثل الصحيح السائر: قلة العيال أحد اليسارين (3)!] بل كان ذا بنين وبنات وزوجة وخدم وأحشام (4)، يعول مع ذلك أبويه وما ولدا، ولم يكن فتى حدثا فتهزه أريحية الشباب وغرارة الحداثة. ولم يكن بحذاء إنفاقه طمع يدعوه، ولا رغبة تحدوه، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك عنده يد مشهورة فيخاف العار في ترك مواساته (5) وإنفاقه عليه، ولا كان من رهطه دنيا (6) فيسب بترك مكانفته ومعاونته وإرفاقه. فكان [إنفاقه (7)] على الوجه الذي لا نجد أبلغ في غاية الفضل منه *)، ولا أدل على غاية الصدق والبصيرة منه.
(٣٦)