العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٧٨
لأنه لا يجوز أن يكونوا لم يعلموا ذلك وقد علموا ما هو أخفى وأدق وأيسر خطبا وأقل نفعا، وهم القوم الذين لا يؤتون من نصيحة وحسن معرفة. وكيف يؤتون منهما وبهم عرفنا النصيحة والمعرفة.
فإن قالوا: فإنما كان خيرا للناس أن يختاروا لأنفسهم أو يختار النبي لهم.
قلنا: لو كان النبي قد اختاره لهم لقد كان ذلك خيرا لهم من اختيارهم لأنفسهم. فإذ لم يختره (1) لهم فترك اختياره خير لهم، لأنه إذا كان أن لو كان اختاره لهم (2) فقد دل تركه الاختيار أن تركه الاختيار لهم خير لهم، إذ كان قد كان اختار الترك دون الاختيار، وترك الاختيار ربما (3) كان اختيارا. وهو في هذه المواضع اختيار، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليختار لهم ترك النص والتسمية إلا وترك النص والتسمية خير من النص والتسمية.
وإنما هذا مثل قائل لو قال لنا: أرأيتم التأويل الذي قد ضل من أجله عالم، والتشبيه، والوعد والوعيد، والقدر، والأسماء، والاحكام التي قد كفر من أجلها بشر، وبسببها تناحر الناس. وإنما كان خيرا لهم أن يعرفوه بأسره، وينصوا على حقيقته، ويكفوا المؤونة فيه، حتى كان لا يقع خلاف، ولا يوجد خطأ، ولا يشيع فساد، ولا يتفانى الناس أو يتركوا ونظرهم، ويخلوا واختيارهم.
قلنا: الخيرة فيما صنع الله. فلو كان الله بين ذلك بالنص والتفسير

(1) في الأصل: " لم يختاره ".
(2) كذا وردت هذه العبارة، وأراها مقحمة.
(3) في الأصل: " بما ".
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»