العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٢٢٧
وإن قالوا: فما قول أبى بكر في خطبته التي خطب بها في أول خلافته: " وليتكم ولست بخيركم "؟ وهل يخلو هذا القول من الصدق والكذب. فإن كان صدقا فهو خلاف قولكم في تفضيله على جميع أئمتكم، والرجل كان أعلم بنفسه وبأهل دهره، وإن كان كاذبا فأي كذب أقبح من كذب إمام على منبر جماعة؟! ومن أحق بألا يليهم ويحمل إمامة دينهم ودنياهم ممن يكذب على منبر الرسول من غير أن يكرهه أحد أو يريده عليه، أو يكون في تقية كخائف السوط والسيف؟! بل ما يدعوه إلى الكذب، والكذب مقبح في العقل مقبح في الدين، ولم يكن هناك رهبة تسوقه ولا رغبة تقوده؟! على أن كذب الرعية (1) أسخف وأقبح، وهو لا يخلو من أن يكون صادقا فلا يسعه أن يتقدم من هو خير منه وقد مكنه تقديمه، أو يكون كاذبا (2) فالقول فيه على ما قلنا.
قلنا: إن (العثمانية) تذكر لذلك وجوها:
فمنها: أن الحسن كان يقول: والله أعلم أنه كان خيرهم، ولكن المؤمن يهضم نفسه. فزعم الحسن أنه إنما تهضم نفسه ووضع منها لان الخلف المشفق كثيرا ما يزرى على نفسه ويعيب عليها ويستبطئها (3).
ويظهر المقت لها والخوف عليها. فهذا كان مذهب الحسن.
وأما قتادة فزعم أنه قوله: " وليتكم ولست بخيركم " إنما أراد في الحسب، ليعلمهم أنه إذ يليهم بالحسب فإنما وليهم بالسابقة. لانهم

(1) أي الكذب على الرعية. (2) في الأصل: " كذبا ".
(3) هذه الكلمة تامة الاهمال في الأصل.
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»