وألقيت إليه أزمة الأمور، وأعطوه المقادة، وأسمحت نفوسهم له بالطاعة وقد صرفوها عن القرابة وعن أهل الشرف، رأى بسطة عيشه (1) من عز الخلافة وبأو الإمامة، ما لا يعرف قدره غيره، ولا تأتى الصفة على كنهه، وللشيطان (2) هناك مداخل ومخاتل، ودس وتحريك وطمع، ليس يقوى بشرى على دفع تلك الفتنة، وتسكين تلك الحركة، والنهوض بتلك المحنة، إلا بغاية الزري على النفس والهضم لها. والبخس والتخون منها، وتناسى ذكر جميع محاسنها، واجتلاب ذكر جميع مساويها. فبالحري إذا صنع ذلك أن يرد من غربه وطوائع نفسه، وحركة همته، وانتشار عزمه، وانتقاض مرته.
وهذه حال لا يمتحن بها إلا الخلفاء، ولا يختبر بها إلا الأئمة الهدى، لان معهم من قوة المنن ومن فضول الأحلام، وشدة الورع وكثرة العلم، وثبات النفس، والمعرفة بما أداه الطائع، وإماتة الشهوات، وقمع... ما يقام به موريه (3) مكايد الشيطان وتعظيم الانسان، وعز السلطان، والنفس لا تسمح بإعطاء ما عليها حتى تمنعها مالها.
وإن كان قول أبى بكر: " وليتكم ولست بخيركم " إنما أراد به مداواة قلبه، والزري على نفسه فليس بكذب وإن كان خيرهم، إذ كان إنما أراد إصلاح قلبه، وعلاج دائه، والبعد من تقرير القوم بنقصهم عن فضله، والفخر عليهم بتبريزه. فإنما أراد أن يكون سبيله سبيل من يظهر التعلم إذا علم، وسبيل من يتواضع إذا عظم. فجمع بذلك حسن الأدب، والبعد