العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٧٢
يقول هذا من لا يعرف قدر ذلك المقام في الصدور، وكيف طبائع قريش وأنفة العرب.
فإن قالوا: كيف يكون أبو بكر إماما ولم يجتمع المسلمون على إمامته والرضا به؟! وقد قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، وقال سلمان:
" كرداذ ونكرداذ (1) ". وقال خالد بن سعيد: أرضيتم معشر بنى عبد مناف هذا. وقال أبو سفيان بن حرب مثل مقالته، وخرج الزبير بسيفه شادا (2)، فلما رآه عمر قال: دونكم الكلب. وجلس على [في] منزله واعتل بأنه آلى ألا يبرح حتى يجمع القرآن.
قيل لهم: ليس الامر على ما تقولون ولو كان الامر على ما تقولون ما كان خلاف هؤلاء ناقضا لامره. لان الرجل إذا كان أفضل الناس وأكمله وأنفعه للمسلمين وأرده عليهم (3)، فعليهم إقامته والتسليم له، والرضا به، لان كل ما عددت لك من فضله هم كانوا أعلم به، إذ كانوا يسافرون معا ويقيمون معا، وكانوا أعنى بمعرفة الخير، وأسرع إلى العلم به منا ومن أهل دهرنا.
ولو كان أبو بكر تنتقض إمامته، وكان عليه اعتزال ذلك المقام، بخلاف (4) رجل أو رجلين أو ثلاثة، كان أولى الناس بأن يكون له في الإمامة

(1) كلمتان فارسيتان معناهما " صنعتم ولم تصنعوا " كرداد بمعنى التشييد والتأسيس وإقامة الشئ. والنون علامة للنفي في الفارسية، انظر ما سيأتي في الكلام ص 179 وكذا معجم استينجاس 1022.
(2) في الأصل: " شاذا ". وفى الطبري 3: 198: " مصلتا بالسيف ":
(3) أي أكثرهم نفعا. وفى اللسان: " هذا الامر أرد عليه، أي أنفع له ".
(4) في الأصل: " خلاف ". وانظر ما سيأتي في صفحة 177.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»