العثمانية - الجاحظ - الصفحة ٨٠
لا أسمعن أحدا يقول إن محمدا مات! وإن محمدا لم يمت، ولكن الله رفعه. أرسل إليه كما أرسل إلى موسى عليه السلام فلبث عند قومه أربعين ليلة (1). وإني لأرجو أن يقطع الله أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن محمدا مات!
فبينما الناس هكذا إذ أقبل أبو بكر، على فرس له، من السنح (2) فسمع مقالة عمر وما يقوله الناس وما خاضوا فيه، فبدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وهو مسجى، فكشف عن وجهه فقبله، ثم أقبل نحو المنبر وقال: أيها... الحالف (3) على رسلك! فلما رآه عمر قعد، وقام أبو بكر خطيبا ثم قال: أيها الناس اجلسوا وأنصتوا، ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:
أيها الناس، إن الله قد نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت حتى لا يبقى أحد. ألم تعلموا أن الله قال " إنك ميت وإنهم ميتون ".
قال عمر: بأبي أنت وأمي! فسكت الناس وأظهروا التسليم، وعرفوا الحق وبكوا، كأنهم لم يكونوا سمعوا بهذه الآية قط.
ثم تلا: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ثم تلا: " كل نفس ذائقة

(1) في السيرة 1012: " ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ". ونحوه في سيرة ابن سيد الناس 2: 339.
(2) السنح، بالضم: إحدى محال المدينة في طرف من أطرافها. كان بها منزل أبى بكر حين تزوج مليكة، وقيل حبيبة بنت خارجة.
(3) بين هذه الكلمة وسابقتها في الأصل بياض بقدر كلمة، لعلها " أيهاذا ".
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»