وآله من مكة إلى يثرب، ودخوله معه في الغار، فقلتم: مرتبة شريفة. وحالة جليلة، إذ كان شريكه في الهجرة. وأنيسه في الوحشة، فأين هذه من صحبة علي عليه السلام له في خلوته. وحيث لا يجد أنيسا غيره ليله ونهاره أيام مقامه بمكة يعبد الله معه سرا، ويتكلف له الحاجة جهرا، ويخدمه كالعبد يخدم مولاه، ويشفق عليه ويحوطه، وكالولد يبر والده ويعطف عليه.
ولما سئلت عائشة: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قالت: أما من الرجال فعلى، وأما من النساء ففاطمة.
(6) ص 27 - 31 من العثمانية أما القول فممكن والدعوى سهلة، سيما على مثل الجاحظ، فإنه ليس على لسانه من دينه وعقله رقيب، وهو من دعوى الباطل غير بعيد، فمعناه نزر، وقوله لغو، ومطلبه سجع، وكلامه لعب ولهو. يقول الشئ وخلافه ويحسن القول وضده، ليس له من نفسه واعظ، ولا لدعواه حد قائم. وإلا فكيف تجاسر على القول بأن عليا حينئذ لم يكن مطلوبا ولا طالبا؟! وقد بينا بالأخبار الصحيحة والحديث المرفوع المسند أنه كان يوم أسلم بالغا كاملا، منابذا بلسانه وقلبه لمشركي قريش، ثقيلا على قلوبهم، وهو المخصوص دون أبى بكر بالحصار في الشعب. وصاحب الخلوات برسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الظلمات، والمتجرع لغصص المرار من أبى لهب وأبى جهل وغيرهما، والمصطلى لكل مكروه، والشريك لنبيه في كل أذى، قد نهض بالحمل الثقيل، وبان بالامر الجليل. ومن الذي كان يخرج ليلا من الشعب على هيئة السارق، ويخفى نفس ويضائل شخصه، حتى يأتي إلى من يبعثه إليه أبو طالب من كبراء قريش، كمطعم بن عدي وغيره، فيحمل لبنى هاشم على ظهره أعدال الدقيق والقمح، وهو على أشد خوف من أعدائهم كأبى جهل وغيره، لو ظفروا به لأراقوا دمه. أعلى كان يفعل ذلك أيام الحصار في الشعب أم أبو بكر؟