وقام إليه ابن الكواء يوما آخر، وهو يخطب فقال: ما السواد الذي في القمر؟ فقال له: قاتلك الله، سل تفقها ولا تسل تعنتا، ألا سألت عن شئ ينفعك في أمر دنياك وأخرتك؟ ثم قال: محو الليل.
ودخل ضرار بن ضمرة الصدائي، وكان من أصحاب ألوية علي بصفين على معاوية بعد موت علي. فقال له: يا ضرار صف لي عليا. فقال: اعفني يا أمير المؤمنين. قال:
لتصفنه. قال: أما إذا لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلا، ويحك عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن. كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه. ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته. يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين. لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري إلي تعرضت أم إلي تشوقت. هيهات قد بتتك (1) ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك قليل حقير. آه من قلة الزاد وبعد