وخدم أيضا لمن أتى بعده من الملوك الذين ملكوا دمشق وله منهم الجاري المستمر والراتب المستقر والمنزلة العلية والفواضل السنية وهو ملازم التردد إلى القلعة والبيمارستان ودائم التزايد في العلم في سائر الأزمان ومما وجدته من علو همته وشرف أرومته أنه تجرد لعلم الفقه فسكن بيتا في المدرسة القليجية التي وقفها الأمير سيف الدين علي بن قليج رحمه الله وهي مجاورة لدار الحكيم بدر الدين فقرأ الكتب الفقهية والفنون الأدبية وحفظ القرآن حفظا لا مزيد عليه وعرف التفسير والقراءات حتى صار فيها هو المشار إليه واشتغل بذلك على الشيخ الإمام شهاب الدين أبي شامة رحمه الله وليس للحكيم بدر الدين دأب إلا العبادة والدين والنفع لسائر المسلمين ولم يزل يبلغني تفضله ويصلني أنعامه وتفضله وكان وصل إلي من تصنيفه كتاب مفرح النفس فكتبت إليه في رسالة وقف المملوك على ما أودعه مولانا الحكيم الإمام العالم بدر الدين أيد الله سعادته وأدام سيادته في كتابه المعجز ولفظه الموجز الموسوم بمفرح النفس الموجد للسرور والأنس الذي أربى به على القدماء وعجز سائر الأطباء والحكماء وتقلبت الأدوية القلبية منه فرقا وصار الرئيس مرؤوسا في هذا المرتقى ولا غرو صدور مثله عن مولانا وهو شيخ الأوان وعلامة الزمان فالله يجعل حياته مقرونا بها السعادة ويملأ الآفاق من تصانيفه لتكثر منها الإفادة وكتبت في هذه الرسالة إليه هذه الأبيات ونظمتها بديها (تكاد لنور بدر الدين * تخفى طلعة الشمس) (حكيم فاضل حبر * شريف الخيم والنفس) (وأدرى الناس في طب * وعلم النبض والحبس) (خبير بالتداوي عن * يقين ليس عن حدس) (فمن بقراط والشيخ * من اليونان والفرس) (فكم أوجد من برء * وكم أنقذ من عكس) (سما في الرأي عن قيس * وفي الألفاظ عن قس) (وقد أهدى إلى قلبي * كتاب مفرح النفس) (كتاب حل تأييد * به في عالم القدس) (تجلى نور معناه * لنا في ظلمة النفس) (وما أحسن زهر الخط * في روض من الطرس) (بدت أبكار أفكار * فكان الطرف في عرس) (وما أكثر لي فيه * من الراحة والأنس) (وقد قابلت ما يحويه * بالتقبيل والدرس)
(٧٥٢)