عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦٩٠
وأقام بها سنين كثيرة وكان في خدمة الملك علاء الدين داود بن بهران صاحب أرزنجان وكان مكينا عنده عظيم المنزلة وله من الجامكية الوافرة والافتقادات الكثيرة وصنف باسمه عدة كتب وكان هذا الملك عالي الهمة كثير الحياء كريم النفس وقد اشتغل بشيء من العلوم ولم يزل في خدمته إلى أن استولى على ملكه صاحب أرزن الروم وهو السلطان كيقباد بن كيخسرو ابن قلج أرسلان ثم قبض على صاحب أرزنجان ولم يظهر له خبر قال الشيخ موفق الدين عبد اللطيف ولما كان في سابع عشر ذي القعدة من سنة خمس وعشرين وستمائة توجهت إلى أرزن الروم وفي حادي صفر من سنة ست وعشرين وستمائة رجعت إلى أرزنجان من أرزن الروم وفي نصف ربيع الأول توجهت إلى كماخ وفي جمادى الأولى توجهت منها إلى دبركي وفي رجب توجهت منها إلى ملطية وفي آخر رمضان توجهت إلى حلب وصلينا صلاة عيد الفطر بالبهنساء ودخلنا حلب يوم الجمعة تاسع شوال فوجدناها قد تضاعفت عمارتها وخيرها بحسن سيرة أتابك شهاب الدين واجتمع الناس على محبته لمعدلته في رعيته أقول وأقام الشيخ موفق الدين بحلب والناس يشتغلون عليه وكثرت تصانيفه وكان له من شهاب الدين طغريل الخادم أتابك حلب جار حسن وهو متنحل لتدريس صناعة الطب وغيرها ويتردد إلى الجامع بحلب ليسمع الحديث ويقرئ العربية وكان دائم الاشتغال ملازما للكتابة والتصانيف ولما أقام بحلب قصدت إني أتوجه إليه واجتمع به فلم يتفق ذلك وكانت كتبه أبدا تصل إلينا ومراسلاته وبعث إلي أشياء من تصانيفه من خطه وهذه نسخة كتاب كتبته إليه لما كان بحلب المملوك يواصل بدعائه وثنائه وشكره وانتمائه إلى عبودية المجلس السامي المولوي السيدي السندي الأجل الكبيري العالمي الفاضلي موفق الدين سيد العلماء في الغابرين والحاضرين جامع العلوم المتفرقة في العالمين ولي أمير المؤمنين أوضح الله به سبل الهداية وأنار ببقائه طرق الدراية وحقق بحقائق ألفاظه صحيح الولاية ولا زالت سعادته دائمة البقاء وسيادته سامية الارتقاء وتصانيفه في الآفاق قدوة العلماء وعمدة سائر الأدباء والحكماء المملوك يجدد الخدمة ويهدي من السلام أطيبه ومن الشكر والثناء أعذبه وينهي ما يكابده من أليم التطلع إلى مشاهدة أنوار شمسه المنيرة وما يعانيه من الارتياح إلى ملاحظة شريف حضرته الأثيرة وما تزايد من القلق وتعاظم عند سماعه قرب المزار من الأرق (وأبرح ما يكون الشوق يوما * إذا دنت الديار من الديار) الوافر ولولا قفول الركاب العالي ووصول الجناب الموفق الجلالي لسارع المملوك إلى الوصول
(٦٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 685 686 687 688 689 690 691 692 693 694 695 ... » »»