عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦٧٠
في أول أمره نجارا وينحت الحجارة أيضا وكان تكسبه بصناعة النجارة وله يد طولى فيها والناس كثيرا ما يرغبون إلى أعماله وأكثر أبواب البيمارستان الكبير الذي أنشأه الملك العادل نور الدين ابن زنكي رحمه الله من نجارته وصنعته أخبرني سديد الدين بن رقيقة عنه أنه أخبره بذلك وحدثني شمس الدين بن المطواع الكحال عنه وكان صديقا له أن أول اشتغاله بالعلم أنه قصد إلى أن يتعلم أوقليدس ليزداد في صناعة النجارة جودة ويطلع على دقائقها ويتصرف في أعمالها قال وكان في تلك الأيام يعمل في مسجد خاتون الذي تحت المنيبع غربي دمشق فكان في كل غداة لا يصل إلى ذلك الموضع إلا وقد حفظ شيئا من أوقليدس ويحل أيضا منه في طريقه وعند فراغه من العمل إلى أن حل كتاب أوقليدس بأسره وفهمه فهما جيدا وقوي فيه ثم نظر أيضا في كتاب المجسطي وشرع في قراءته وحله وانصرف بكليته إلى صناعة الهندسة وعرف بها أقول واشتغل أيضا بصناعة النجوم وعمل الزيجات وكان قد ورد إلى دمشق ذلك الوقت الشرف الطوسي وكان فاضلا في الهندسة والعلوم الرياضية ليس في زمانه مثله فاجتمع به وقرأ عليه وأخذ عنه شيئا كثيرا من معارفه وقرأ أيضا صناعة الطب على أبي المجد محمد بن أبي الحكم ولازمه حق الملازمة ونسخ بخطه كتبا كثيرة في العلوم الحكمية وفي صناعة الطب ووجدت بخطه الكتب الستة عشر لجالينوس وقد قرأها على أبي المجد محمد بن أبي الحكم وعليها خط ابن أبي الحكم له بالقراءة وهو الذي أصلح الساعات التي للجامع بدمشق وكان له على مراعاتها وتفقدها جامكية مستمرة يأخذها وكانت له أيضا جامكية لطبه في البيمارستان الكبير وبقي سنينا كثيرة يطب في البيمارستان إلى حين وفاته وكان فاضلا في صناعة الطب جيد المباشرة لأعمالها محمود الطريقة وكان قد سافر إلى ديار مصر وسمع شيئا من الحديث بالإسكندرية في سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين وخمسمائة من رشيد الدين أبي الثناء حماد بن هبة الله بن حماد بن الفضيل الحراني ومن أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي الأصفهاني واشتغل أيضا بالأدب وعلم النحو وكان يشعر وله قطع جيدة وتوفي رحمه الله في سنة تسع وتسعين وخمسمائة بدمشق بإسهال عرض له وعاش نحو السبعين سنة ومن شعر أبي الفضل بن عبد الكريم المهندس نقلت من خطه في مقالته في رؤية الهلال ألفها للقاضي محيي الدين بن القاضي زكي الدين ويقول فيها يمدحه (خصصت بالأب لما أن رأيتهم * دعوا بنعتك أشخاصا من البشر) (ضد النعوت تراهم أن بلوتهم * وقد يسمى بصيرا غير ذي بصر) (والنعت ما لم تك الأفعال تعضده * اسم على صورة خطت من الصور) (وما الحقيق به لفظ يطابقه المعنى * كنجل القضاة الصيد من مضر) (فالدين والملك والإسلام قاطبة * برأيه في أمان من يد الغير) (كم سن سنة خير في ولايته * وقام لله فيها غير معتذر) (يرجو بذاك نعيما لا نفاد له * جوار ملك عزيز جل مقتدر)
(٦٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 665 666 667 668 669 670 671 672 673 674 675 ... » »»