عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦١٣
فأمره أن يكشف رأسه ويلقي به الماء الجاري من قناة كانت بين يديه وكان الزمان إذ ذاك صميم الشتاء وغاية البرد ثم لم يزل واقفا حتى بلغ ما أراد مما أمر به ثم أمر الرجل بالانصراف وأشار عليه بالأوفق له وهو تلطيف التدبير واستعمال النقوع الحامض مبردا وقطع الزفر قال فامتنع أن يحدث له شرا ما وقال الطرطوشي في كتاب سراج الملوك حدثني بعض الشاميين أن رجلا خبازا بينما هو يخبز في تنوره بمدينة دمشق إذ عبر عليه رجل يبيع المشمش فاشترى منه وجعل يأكله بالخبز الحار فلما فرغ سقط مغشيا عليه فنظروا فإذا هو ميت فجعلوا يتربصون به ويحملون له الأطباء فيلتمسون دلائله ومواضع الحياة منه فلم يجدوا فقضوا بموته فغسل وكفن وصلي عليه وخرجوا به إلى الجبانة فبينما هم في الطريق على باب البلد فاستقبلهم رجل طبيب يقال له اليبرودي وكان طبيبا ماهرا حاذقا عارفا بالطب فسمع الناس يلهجون بقضيته فاستخبرهم عن ذلك فقصوا عليه قصته فقال حطوه حتى أراه فحطوه فجعل يقلبه وينظر في إمارات الحياة التي يعرفها ثم فتح فمه وسقاه شيئا أو قال حقنه فاندفع ما هناك فسيل فإذا الرجل قد فتح عينيه وتكلم وعاد كما كان إلى حانوته وتوفي اليبرودي بدمشق في سنة وأربعمائة ودفن في كنيسة اليعاقبة بها عند باب توما حدثني الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عن موفق الدين أسعد بن إلياس ابن المطران قال حدثني خالي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله ابن رجا بن يعقوب قال حدثني ابن الكتاني وهو إذا ذاك متصرف في أعمال السلطان يومئذ بدمشق قال بلغني أن أبا الفرج جورجس بن يوحنا اليبرودي لما توفي ظهر في تركته ثلاثمائة مقطع رومي مجوم لباب واحد وخمسمائة قطعة فضة ألطفها ثلاثمائة درهم قال موفق الدين بن المطران وليس ذلك بكثير لأن الشخص متى تحققت أعماله وصفت نيته وطلب الحق وعامل الصحيح واجتهد في معرفة صناعته كان حقا على الله تعالى أن يرزقه ومتى كان بالضد عاش فقيرا ومات يائسا ولليبرودي من الكتب مقالة في أن الفرخ أبرد من الفروج نقض كلام ابن الموفقي في مسائل ترددت فيما بينهم في النبض جابر بن منصور السكري من أهل موصل وكان مسلما دينا عالما بصناعة الطب من أكبر المتميزين فيها وكان قد لحق أحمد بن أبي الأشعث وقرأ عليه ثم لازم محمد بن ثواب تلميذ ابن أبي الأشعث وقرأ عليه وذلك في
(٦١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 608 609 610 611 612 613 614 615 616 617 618 ... » »»