عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦١٢
الناس منه في ذلك الفعل وحسن تأتيه إلى مداواة ذلك الرجل واشتهرت عنه هذه القضية وتميز بعدها أقول وهذه الحكاية التي قصد اليبرودي أن يتتبع أحوال ذلك الرجل فيها ويشاهد ما يكون من أمره أن يكون عنده من ذلك معرفة بالأعراض التي تحدث له وأن ينقذه أيضا مما وقع فيه إن أمكنه معاجلته ومعالجته ومثل ذلك أيضا ما حكاه أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الأشعث رحمه الله في كتاب الغاذي والمغتذي وذلك أنه قال إن إنسانا رأيته يوما وقد بايع أن يأكل جزرا قدره بحد ما فحضرت أكله لأرى ما يكون من حاله لا رغبة مني لمجالسة من هذه حاله ولا لأن لي بذلك عادة ولله الحمد بل لأرى إيراد الغذاء على المعدة قسرا إلى ماذا يؤول هذا الفعل فرأيته يأكل من حائط ليرى من حوله ويضاحكهم حتى إذا مر على الأكثر مما كان بين يديه رأيت الجزر ممضوغا قد خرج من حلقه ملتفا متحبلا متعجنا بريقه وقد جحظت عيناه وانقطع حسه واحمر لونه ودرت وداجاه وعروق رأسه وأربد وكمد وجهه وعرض له من التهوع أكثر مما عرض له من القذف حتى رمى من ذلك الذي أكله شيئا كثيرا فزكنت أن انقطاع نفسه لدفع المعدة حجابه إلى نحو الفم ومنعها إياه من الرجوع إلى الانبساط للتنفس وأما ما عرض للونه من الاحمرار ودرور وداجيه وعروقه فزكنت أنه لإقبال الطبيعة نحو رأسه كما يعرض لمن شدت يده للفصد أن تقبل الطبيعة نحو الجهة التي استنهضت نحوها وأما ما عرض بعد ذلك لوجهه من الاربداد والكمودة فزكنت أيضا أنه لسوء مزاج قلبه وأنه لو لم يخرج ما خرج ودافعت المعدة حجابه هذه المدافعة التي قد عاقته البتة عن التنفس عرض له الموت بالاختناق كما قد رأينا ذلك في عدد كثير ماتوا بعقب القذف وأما ما عرض له من التهوع أكثر مما عرض له من القذف فزكنت من ذلك أن التهوع لشدة اضطراب المعدة قال ابن أبي الأشعث بعد ذلك إن الغذاء إذا حصل في المعدة وهو كثير الكمية تمددت تمددا يبسط سائر غضونها كما رأيت ذلك في سبع شرحته حيا بحضرة الأمير الغضنفر وقد استصغر بعض الحاضرين معدته فتقدمت بصب الماء في فيه فما زلنا نصب في حلقه دورقا بعد آخر حتى عددنا من الدوارق عددا كان مقدار ما حوت نحو أربعين رطلا ماء فنظرت إذ ذاك إلى الطبقة الداخلة وقد امتدت حتى صار لها سطح مستو ليس بدون استواء الخارج ثم شققتها فلما اجتمعت عند خروج الماء منها عاد غضون الداخلة والبواب يشهد الله في جميع ذلك لا يرسل نفسه وحدثني الشيخ المهذب الدين عبد الرحيم بن علي قال حدثني موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران قال حدثني أبي عن خالي أبي الفرج بن حيان قال حدثني أبو الكرم الطبيب قال حدثني أبي عن أبيه قال كنت يوما أساير الشيخ أبا الفرج اليبرودي إذ اعترضه رجل فقال يا سيدي كنت في صناعتي هذه في الحمام وحلقت رأسي وأجد الآن في وجهي كله انتفاخا وحرارة عظيمة قال فنظرنا إلى وجهه فوجدناه يربو وينتفخ وتزيد حمرته بغير توقف ولا تدريج قال
(٦١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 607 608 609 610 611 612 613 614 615 616 617 ... » »»