عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦١٠
من أثق بقوله إن سيف الدولة كان إذا أكل الطعام حضر على مائدته أربعة وعشرون طبيبا قال وكان فيهم من يأخذ رزقين لأجل تعاطيه علمين ومن يأخذ ثلاثة لتعاطيه ثلاثة علوم وكان من جملتهم عيسى الرقي المعروف بالتفليسي وكان مليح الطريقة وله كتب في المذهب وغيرها وكان ينقل من السرياني إلى العربي ويأخذ أربعة أرزاق رزقا بسبب الطب ورزقا بسبب النقل ورزقين بسبب علمين آخرين اليبرودي هو أبو الفرج جورجس بن يوحنا بن سهل بن إبراهيم من النصارى اليعاقبة وكان فاضلا في صناعة الطب عالما بأصولها وفروعها معدودا من جملة الأكابر من أهلها والمتمرنين من أربابها دائم الاشتغال محبا للعلم مؤثرا للفضيلة حدثني شرف الدين بن عنين رحمه الله إن اليبرودي كان لا يمل الاشتغال ولا يسأم منه قال وكان أبدا سائر أوقاته لا يوجد إلا معه كتاب ينظر فيه حدثني أحد النصارى بدمشق وهو السني البعلبكي الطبيب قال كان مولد اليبرودي ومنشؤه في صدر عمره بيبرود وهي ضيعة كبيرة قريبة من صيدنايا وبها نصارى كثير وكان اليبرودي بها كسائر أهلها النصارى من معاناتهم الفلاحة وما يصنعه الفلاحون وكان أيضا يجمع الشيح من نواحي دمشق القريبة من جهته ويحمله على دابة ويأتي به إلى داخل دمشق يبيعه للذين يقدونه في الأفران وغيرها وأنه لما كان في بعض المرات وقد عبر من باب توما بدمشق ومعه حمل شيح رأى شيخا من المتطببين وهو يفصد إنسانا قد عرض له رعاف شديد من الناحية المسامتة للموضع الذي ينبعث منه الدم فوقف ينظر إليه ثم قال له لم تفصد هذا ودمه يجري من أنفه بأكثر مما يحتاج إليه بالفصد فعرفه إن ذلك إنما يفعله لينقطع الدم الذي ينبعث من أنفه لكونه يجتذبه إلى مسامتة الجهة التي ينبعث منها فقال له إذا كان الأمر على ما تقول فإننا في مواضعنا قد اعتدنا أنه متى كان نهر جار وأردنا أن نقطع الماء عنه فإننا نجعل له مسيلا إلى ناحية أخرى مسامتة له فينقطع من ذلك الموضع ويعود إلى الموضع الآخر فأنت لم لا تفعل هكذا أيضا وتفصده من الناحية الأخرى ففعل ذلك وانقطع الرعاف عن الرجل وإن ذلك الطبيب لما رأى من اليبرودي حسن نظر فيما سال عنه قال له لو أنك تشتغل بصناعة الطب جاء منك طبيب جيد فمال اليبرودي إلى قوله وتاقت نفسه إلى العلم وبقي مترددا إلى الشيخ في أوقات وهو يعرفه ويريه أشياء من المداواة
(٦١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 605 606 607 608 609 610 611 612 613 614 615 ... » »»