عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٤٠٢
فخر الدين المارديني هو الإمام فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبد الساتر الأنصاري كان أوحد زمانه وعلامة وقته في العلوم الحكمية قوي الذكاء فاضل النفس جيد المعرفة بصناعة الطب محاولا لأعمالها كثير التحقيق نزيه النفس محبا للخير متقنا للغة متفننا في العربية مولده في ماردين وأجداده من القدس وكان أبوه قاضيا ولما فتح نجم الدين الغازي بن أرتق القدس بعث جده عبد الرحمن إلى ماردين وقطن بها هو وأولاده وكان شيخ فخر الدين المارديني في الحكمة نجم الدين بن صلاح وهو نجم الدين أبو الفتوح أحمد بن السري وكان عجميا من همذان استدعاه حسام الدين تمرتاش بن الغازي بن ارتق وكان ابن الصلاح فاضلا في الحكمة جيد المعرفة بها خبيرا بدقائقها وأسرارها وله تصانيف في الحكمة وأقام في آخر عمره بدمشق وتوفي رحمه الله في سنة ودفن في مقابر الصوفية عند نهر بانياس بظاهر دمشق وقرأ فخر الدين المارديني صناعة الطب على أمين الدولة بن التلميذ وحدثني الحكيم سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة عن فخر الدين المارديني أنه قرأ كتاب القانون لابن سينا على أمين الدولة بن التلميذ وباحثه فيه وبالغ في تصحيحه وتحريره معه وكان ابن التلميذ يقرأ عليه صناعة المنطق ومما قرأ عليه في ذلك كتاب المختصر الأوسط للجرجاني لابن سينا وأقام فخر الدين بن عبد السلام المارديني في مدينة حيني سنين كثيرة وكان في خدمة نجم الدين بن ارتق قال سديد الدين محمود بن عمر وكان قد صحب فخر الدين المارديني في مدينة حيني وقرأ عليه صناعة الطب ولازمه مدة طويلة ولم يكن يفارقه في سفره ولا حضره إن الشيخ فخر الدين المارديني رحمه الله وصل إلى دمشق وكنت معه في سنة سبع وثمانين وخمسمائة وأقرأ بها صناعة الطب وكان له مجلس عام للتدريس وكان من جملة من اشتغل عليه ولازمه مدة مقامه بدمشق الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وقرأ عليه الشيح مهذب الدين بعض كتاب القانون لابن سينا وصححه معه ولم يزل الشيخ فخر الدين المارديني مقيما بدمشق إلى آخر شهر شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة فإنه توجه قاصدا إلى بلده ولما عزم على السفر أتاه الشيخ مهذب الدين وسأله إن كان يمكنه أن يقيم بدمشق ليتمم عليه قراءة كتاب القانون وأن يكون يوصل إلى وكيله برسم النفقة في كل شهر ثلاثمائة درهم ناصرية فلم يفعل وقال العلم لا يباع أصلا بل من كان معي فإنني اشغله أين كنت ولم يمكن مهذب الدين التوجه معه ولما سافر فخر الدين المارديني من دمشق
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»