يقابلونا بذلك وينبغي لنا أن نحتملهم عليه ونعلم أنه ليس منهم وأن السبب فيه المرض الخارج عن الطبيعة وينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلا مستويا لا يحلقه ولا يدعه كالجمة ولا يستقصي قص أظافير يديه ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه وينبغي أن تكون ثيابه بيضاء نقية لينة ولا يكون في مشيه مستعجلا لأن ذلك دليل على الطيش ولا متباطئا لأنه يدل على فتور النفس وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربعا ويختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب فإن هذا الشكل والزي والترتيب عندي أفضل من غيره قال جالينوس في المقالة الثالثة من كتابه في أخلاق النفس أن أبقراط كان يعلم مع ما كان يعلم من الطب من أمر النجوم ما لم يكن يدانيه فيه أحد من أهل زمانه وكان يعلم أمر الأركان التي منها تركيب أبدان الحيوان وكون جميع الأجسام التي تقبل الكون والفساد وفسادها وهو أول من برهن ببراهين حقيقة هذه الأشياء التي ذكرنا وبرهن كيف يكون المرض والصحة في جميع الحيوان وفي النبات وهو الذي استنبط أجناس الأمراض وجهات مداواتها أقول فأما معالجة أبقراط ومداواته للأمراض فإنه أبدا كانت له العناية البالغة في نفع المرضى وفي مداواتهم ويقال أنه أول من جدد البيمارستان وأخترعه وأوجده وذلك أنه عمل بالقرب من داره في موضع من بستان كان له موضعا مفردا للمرضى وجعل فيه خدما يقومون بمداواتهم وسماه أخسندوكين أي مجمع المرضى وكذلك أيضا معنى لفظة البيمارستان وهو فارسي وذلك أن البيمار بالفارسي هو المرضى وستان هو الموضع أي موضع المرضى ولم يكن لأبقراط دأب على هذه الوتيرة في مدة حياته وطول بقائه إلا النظر في صناعة الطب وإيجاد قوانينها ومداواة المرضى وإيصال الراحة إليهم وإنقاذهم من عللهم وأمراضهم وقد ذكر كثيرا من قصص مرضى عالجهم في كتابه المعروف بأبيديميا وتفسير أبيديميا الأمراض الوافدة ولم يكن لأبقراط رغبة في خدمة أحد من الملوك لطلب الغنى ولا في زيادة مال يفضل عن احتياجه الضروري وفي ذلك قال جالينوس إن أبقراط لم يجب أحد ملوك الفرس العظيم الشأن المعروف عند اليونانيين بأرطخششت وهو أزدشير الفارسي جد دارا بن دارا فإنه عرض في أيام هذا الملك للفرس وباء فوجه إلى عامله بمدينة فاوان أن يحمل إلى أبقراط مائة قنطار ذهبا ويحمله بكرامة عظيمة وإجلال وأن يكون هذا المال تقدمة له ويضمن له إقطاعا بمثلها
(٤٧)