عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥١
ما أعجب ما في الدنيا فقال أيها الحكيم إذا كان كل ما في الدنيا عجبا فلا عجب فقال الحكيم لأجل هذا قدمته لفطنته ومن كلامه قال محاربة الشهوة أيسر من معالجة العلة وقال التخلص من الأمراض الصعبة صناعة كبيرة ودخل على عليل فقال أنا والعلة وأنت ثلاثة فإن أعنتني عليها بالقبول مني لما تسمع صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه ولما حضرته الوفاة قال خذوا جامع العلم مني من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره ومن كلامه مما ذكره حنين بن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة أنه قال منزلة لطافة القلب في الأبدان كمنزلة النواظر في الأجفان وقال للقلب آفتان وهما الغم والهم فالغم يعرض منه النوم والهم يعرض منه السهر وذلك بأن الهم فيه فكر في الخوف بما سيكون فمنه يكون السهر والغم لا فكر فيه لأنه إنما يكون بما قد مضى وانقضى وقال القلب من دم جامد والغم يهيج الحرارة الغريزية فتلك الحرارة تذيب جامد الدم ولذلك كره الغم خوف العوارض المكروهة التي تهيج الحرارة وتحمي المزاج فيحل جامد الدم فينتقض التركيب وقال من صحب السلطان فلا يجزع من قوته كما لا يجزع الغواص من ملوحة البحر وقال من أحب لنفسه الحياة أماتها وقال العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما يبلغك قليله إلى كثير وقال إن المحبة قد تقع بين العاقلين من باب تشاكلهما في العقل ولا تقع بين الأحمقين من باب تشاكلهما في الحمق لأن العقل يجري على ترتيب فيجوز أن يتفق فيه اثنان على طريق واحد والحمق لا يجري على ترتيب فلا يجوز أن يقع به اتفاق بين اثنين ومن كلامه في العشق قال العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحرص فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء ومن طغيان السوداء فساد الفكر ومع فساد يكون الفدامة ونقصان العقل ورجاء ما لم يكن وتمنى ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»