عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٣٥١
المطران قال حدثني أبي حدثني إسماعيل بن رشيد قال حدثني أبو الفرج بن توما وأبو الفرج المسيحي قالا كان الأجل أمين الدولة بن التلميذ جالسا ونحن بين يديه إذا استأذنت عليه امرأة ومعها صبي صغير فأدخلت عليه فحين رآه بدرها فقال إن صبيك هذا به حرقة البول وهو يبول الرمل فقالت نعم قال فيستعمل كذا وكذا وانصرفت قالا فسألناه عن العلامة الدالة على أن به ذلك وأنه لو أن الآفة في الكبد أو الطحال لكان اللون من الاستدلال مطابقا فقال حين دخل رأيته يولع بأحليله ويحكه ووجدت أنامل يديه مشققة قاحلة فعلمت أن الحكة لأجل الرمل وإن تلك المادة الحادة الموجبة للحكة والحركة ربما لامست أنامله عند ولوعه بالقضيب فتقحل وتشقق فحكمت بذلك وكان موافقا ومن نوادر أمين الدولة وحسن إشارته إنه كان يوما عند المستضيء بأمر الله وقد أسن أمين الدولة فلما نهض للقيام توكأ على ركبتيه فقال له الخليفة كبرت يا أمين الدولة فقال نعم يا أمير المؤمنين وتكسرت قواريري ففكر الخليفة في قول أمين الدولة وعلم أنه لم يقله إلا لمعنى قد قصده وسأل عن ذلك فقيل له إن الإمام المستنجد بالله كان قد وهبه ضيعة تسمى قوارير وبقيت في يده زمانا ثم من مدة ثلاث سنين حط الوزير يده عليها فتعجب الخليفة من حسن أدب أمين الدولة وأنه لم ينه أمرها إليه ولا عرض بطلبها ثم أمر الخليفة بإعادة الضيعة إلى أمين الدولة وأن لا يعارض في شيء من ملكه ومن نوادره أن الخليفة كان قد فوض إليه رئاسة الطب ببغداد ولما اجتمع إليه سائر الأطباء ليرى ما عند كل واحد منهم من هذه الصناعة كان من جملة من حضره شيخ له هيئة ووقار وعنده سكينة فأكرمه أمين الدولة وكانت لذلك الشيخ دربة ما بالمعالجة ولم يكن عنده من علم صناعة الطب إلا التظاهر بها فلما انتهى الأمر إليه قال له أمين الدولة ما السبب في كون الشيخ لم يشارك الجماعة فيما يبحثون فيه حتى نعلم ما عنده من هذه الصناعة فقال يا سيدنا وهل شيء مما تكلموا فيه إلا وأنا أعلمه وقد سبق إلى فهمي أضعاف ذلك مرات كثيرة فقال له أمين الدولة فعلى من كنت قد قرأت هذه الصناعة فقال الشيخ يا سيدنا إذا صار الإنسان إلى هذه السن ما يبقى يليق به إلا أن يسأل كم له من التلاميذ ومن هو المتميز فيهم وأما المشايخ الذين قرأت عليهم فقد ماتوا من زمان طويل فقال له أمين الدولة يا شيخ هذا شيء قد جرت العادة به ولا يضر ذكره ومع هذا فما علينا أخبرني أي شيء قد قرأته من الكتب الطبيبة وكان قصد أمين الدولة أن يتحقق ما عنده فقال سبحان الله العظيم صرنا إلى حد ما يسأل عنه الصبيان وأي شيء قد قرأته من الكتب يا سيدنا لمثلي ما يقال إلا أي شيء صنفته في صناعة الطب وكم لك فيها من الكتب والمقالات ولا بد أنني أعرفك بنفسي ثم إنه نهض إلى أمين الدولة ودنا منه وقعد عنده وقال
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»