المراسلات العجيبة والكتب البديعة الغريبة ولم يكن أحد منهم يؤلف كتابا ولا يبتدع رأيا إلا ويرد الآخر عليه ويسفه رأيه فيه وقد رأيت أشياء من المراسلات التي كانت فيما بينهم ووقائع بعضهم في بعض وسافر ابن بطلان من بغداد إلى ديار مصر قصدا منه إلى مشاهدة علي بن رضوان والاجتماع به وكان سفره من بغداد في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ولما وصل في طريقه إلى حلب أقام بها مدة وأحسن إليه معز الدولة ثمال بن صالح بها وأكرمه أكراما كثيرا وكان دخوله الفسطاط في مستهل جمادى الآخرة من سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وأقام بها ثلاث سنين وذلك في دولة المستنصر بالله من الخلفاء المصريين وجرت بين ابن بطلان وابن رضوان وقائع كثرة في ذلك الوقت ونوادر ظريفة لا تخلو من فائدة وقد تضمن كثيرا من هذه الأشياء كتاب ألفه ابن بطلان بعد خروجه من ديار مصر واجتماعه بابن رضوان ولابن رضوان كتاب في الرد عليه وكان ابن بطلان أعذب ألفاظا وأكثر ظرفا وأميز في الأدب وما يتعلق به ومما يدل على ذلك ما ذكره في رسالته التي وسمها دعوة الأطباء وكان ابن رضوان أطب وأعلم بالعلوم الحكمية وما يتعلق بها وكان ابن رضوان أسود اللون ولم يكن بالجميل الصورة وله مقالة في ذلك يرد فيها على من عيره بقبح الخلقة وقد بين فيها بزعمه أن الطبيب الفاضل لا يجب أن يكون وجهه جميلا وكان ابن بطلان أكثر ما يقع في علي بن رضوان من هذا القبيل وأشباهه ولذلك يقول فيه في الرسالة التي وسمها دعوة الأطباء (فلما تبدى للقوابل وجهه * نكصن على أعقابهن من الندم) (وقلن وأخفين الكلام تسترا * ألا ليتنا كنا تركناه في الرحم) الطويل وكان يلقبه بتمساح الجن وسافر ابن بطلان من ديار مصر إلى القسطنطينية وأقام بها سنة وعرضت في زمنه أوباء كثيرة ونقلت من خطه فيما ذكره من ذلك ما هذا مثاله قال ومن مشاهير الأوباء في زماننا الذي عرض عند طلوع الكوكب الأثاري في الجوزاء من سنة ست وأربعين وأربعمائة فإن في تلك السنة دفن في كنيسة لوقا بعد أن امتلأت جميع المدافن التي في القسطنطينية أربعة عشر ألف نسمة في الخريف فلما توسط الصيف في سنة سبع وأربعين لم يوف النيل فمات في الفسطاط والشام أكثر أهلها وجميع الغرباء إلا من شاء الله وانتقل الوباء إلى العراق فأتى على أكثر أهله واستولى عليه
(٣٢٦)