عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٧٠
واجب فانصرفوا ليلزمني كما أمرت وليحمل إلي كل واحد منكم عشرة آلاف درهم لتكون دية من سأل في قتله وهذا المال يلزم من حضر المجلس البارحة وسأل في قتله ومن لم يكن حاضرا فلا شيء عليه ومن لم يحمل ما أمرت بحمله من هذا المال لأضربن عنقه ثم قال لي اجلس أنت والزم رتبتك وخرج الجماعة فحمل كل واحد منهم عشرة آلاف درهم فلما اجتمع سائر ما حملوه أمر بأن يضاف إليه مثله من خزانته فكان زائدا عن مائتي ألف درهم وأن يسلم إلي ففعل ذلك فلما كان آخر النهار وقد أقامه الدواء ثلاثة مجالس أحس بصلاح وخف ما كان يجد فقال يا حنين أبشر بكل ما تحب فقد عظمت رتبتك عندي وزادت طبقتك أضعاف ما كنت عليه عندي فسأعوضك أضعاف ما كان لك وأحوج أعداءك إليك وأرفعك على سائر أهل صناعتك ثم أنه أمر بإصلاح ثلاث دور من دوره التي لم أسكن قط منذ نشأت في مثلها ولا رأيت لأحد من أهل صناعتي مثلها وحمل إليها سائر ما كنت محتاجا من الأواني والفرش والآلة والكتب وما يشاكل ذلك بعد أن أشهد لي بالدور وتوثق لي بشهادات العدول لأنها كانت خطيرة في قيمتها لأنها تقوم بألوف دنانير فلمحبته لي وميله إلي أحب أن تكون لي ولعقبي ولا تكون علي حجة لمعترض فلما فرغ مما أمر به من الحمل إلى الدور وجميع ما ذكر وتعليقها بأنواع الستور ولم يبق غير المضي إليها أمر بحمل المال الضعف الكثير بين يدي وحملني على خمسة أرؤس من خيار بغلاته الخاصة بمواكبها ووهب لي ثلاثة خدم روم وأمر لي في كل شهر بخمسة عشر ألف درهم وأطلق لي الفائت من رزقي في وقت حبسي فكان شيئا كثيرا وحمل من جهة الخدم والحرم وسائر الحاشية والأهل ما لا يمكن أن يحصى من الأموال والخلع والإقطاع وحصلت وظائفي التي كنت آخذها خارج الدار من سائر الناس آخذها من داخل الدار وصرت المقدم على سائر الأطباء من أعواني وغيرهم وهذا تم لي لما لحقتني السعادة التامة وهذا ما جرى علي بعداوة الأشرار كما قال جالينوس أن الأخيار من الناس قد ينتفعون بأعدائهم الأشرار ولعمري لقد لحق جالينوس محن عظيمة إلا أنها لم تكن تبلغ إلى ما بلغت بي أنا هذه المحن وإني لأعلم مرارا كثيرة إن أول من كان يعدو إلى باب داري في حاجة تكون له إلى أمير المؤمنين أو أن يسألني عن مرض قد حار فيه أحد أعدائي الذين قد عرفتك ما لحقني منهم وكنت وحق معبودي العلة الأولى أسارع في قضاء حوائجهم وأخلص لهم المودة ولم أكافئهم على شيء مما صنعوه بي ولا واحدا منهم أخذته بذلك فكان سائر الناس يتعجبون من حسن قضائي حوائجهم بعد ما كانوا يسمعونهم يقولون في عند الناس وخاصة عند مولاي أمير المؤمنين وصرت انقل لهم الكتب على الرسم بغير عوض ولا جزاء وأسارع إلى جميع محابهم بعد أن كنت إذا نقلت لأحدهم كتابا أخذت منه وزنه دراهم أقول وجدت من هذه الكتب كتبا كثيرة وكثيرا منها أقتنيته وهي مكتوبة مولد الكوفي بخط الأزرق كاتب حنين وهي حروف كبار بخط غليظ في أسطر متفرقة وورقها كل ورقة منها بغلظ ما يكون من هذه الأوراق المصنوعة يومئذ ثلاث ورقات أو أربع وذلك في تقطيع مثل ثلث
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»