عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٦٨
يجود بها علي ويعمل على أنه قد يقطعني ما مقدار قيمته مائة ألف دينار في كل سنة حتى أقضي من حقها ما يجب علي ثم يسألني أمير المؤمنين ما أحب بعد ذلك فيما أرسل إلي بسببه فقال له قد وهبتها لك وأنا أريد أن تعرفني ما جزاء من بصق عليها عندك فقال له الجاثليق إن كان مسلما فلا شيء عليه لأنه لا يعرف مقدارها لكن يعرف ذلك ويلام ويوبخ على مقدرا ما فعل حتى لا يعود إلى مثل ذلك مرة أخرى وإن كان نصرانيا وكان جاهلا لا يفهم ولا معرفة عنده فيلام ويزجر بين الناس ويتهدد بالجروم العظيمة ويعذل حتى يتوب وبالجملة أن هذا فعل لا يقوم عليه إلا جاهل لا يعرف مقدار الديانة فإن كان عاقلا وقد بصق عليها فقد بصق على مريم أم سيدنا وعلى سيدنا المسيح فقال له أمير المؤمنين فما الذي يجب على من فعل ذلك عندك فقال ما عندي يا أمير المؤمنين إذ كنت لا سلطان لي إن أعاقبه بسوط أبو بعصا ولا لي حبس ضنك بل أحرمه وأمنعه من الدخول إلى البيع ومن القربان وأمنع النصارى من ملابسته وكلامه وأضيق عليه ولا يزال مرفوضا عندنا إلى أن يتوب ويقلع عما كان عليه و ينتقل ويتصدق ببعض ماله على الفقراء والمساكين مع لزوم الصوم والصلاة فحينئذ نرجع إلى ما قال كتابنا وهو أن لم تعفوا للخاطئين لم يغفر لكم خطاياكم فنحل حرم الجاني ونرجع إلى ما كنا عليه ثم أن أمير المؤمنين أمر الجاثليق بأن يأخذ القونة وقال له افعل بها ما تريد وأمر له معها ببدرة دراهم وقال له انفق ما تأخذه على قونتك فلما خرج الجاثليق لبث قليلا يتعجب منه ومن محبته لمعبوده وتعظيمه إياه ثم قال إن هذا الأمر عجيب ثم أمر بإحضاري فأحضرت إليه وأحضر السوط والحبال وأمر بي فشددت مجردا بين يديه وضربت مائة سوط وأمر باعتقالي والتضييق علي ووجه فحمل جميع ما كان لي من رحل وأثاث وكتب وما شاكل ذلك وأمر بنقض منازلي إلى الماء وأقمت في داخل داره معتقلا ستة أشهر في أسوأ ما يكون من الحال حتى صرت رحمة لمن رآني وكان أيضا في كل يسير من الأيام يوجه يضربني ويجدد لي العذاب فلم أزل على ما شرحته إلى أن أعتل أمير المؤمنين وذلك في اليوم الخامس من الشهر الرابع من يوم حبسي وكانت علته صعبة جدا فأقعد ولم تمكنه الحركة وأيس منه وأيس هو أيضا من نفسه ومع ذلك فإن أعدائي الأطباء عنده ليلا ونهارا ولا يزايلونه ساعة واحدة وهم يعالجونه ويداوونه ويسألونه في كل وقت في أمري ويقولون له لو أراحنا مولانا أمير المؤمنين من ذلك الزنديق الملحد لأراح منه الدنيا وانكشف عن الدين منه محنة عظيمة فلما طالت مسألتهم له في أمري وكثر ذكرهم لي بين يديه بكل سوء قال لهم فما الذي يسركم أن أفعل به قالوا تريح العالم منه وكان مع ذلك كل من سأل في أمري وتشفع في من أصدقائي يقول بختيشوع يا أمير المؤمنين هذا بعض تلاميذه وهو يعتقد اعتقاده فيقل المعين لي ويكثر المحرك علي وأيست من الحياة فقال لهم أمير المؤمنين وقد لجوا عليه في السؤال فإني أقتله في غد يومنا هذا وأريحكم منه فسر بذلك الجماعة وانصرفوا على ما يحبون
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»