عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٢٣٧
يناله في هذا الباب التضييق عليه في معاشه وأنه لا يظهر له بيعة أبدا فاغتمامي بهذا السبب فكان جميع ما تخوف سلمويه علي ما تخوف قال يوسف واستبطأ المعتصم أبو إسحق إبراهيم بن المهدي في بعض الأمور واستجفاه فكتب إليه كتابا أمرني بقراءته على سلمويه ومناظرته فيه فإن استصوب الرأي في إيصاله ختمته وأوصلته وإن كره ذلك رددته على أبي إسحق فقرأته على سلمويه فقال لي قل له قد جرى لك المقدار مع المأمون والمعتصم أعز الله الباقي ورحم الماضي بما يوجب عليك شكر ربك وإلا تنكر علي بالخليفتين تنكرهما في وقت من الأوقات لأنك تسميت باسم لم يتسم به أحد قط فكاثر الأحياء فإن كان المقدار استعطف عليك رحمك حتى صرت إلى الأمن من المكروه فليس ينبغي أن تتعجب من تنكر الخليفة في وقت من الأوقات أن طعن بعض أعدائك عليك بما كان منك فيظهر بالجفاء اليومين والثلاثة أو نحو ذلك ثم ينعطف عليك ويذكر ماسة رحمك وشابكتها فيؤول أمرك إلى ما تحب ولك أيضا آفة يجب عليك التحرز منها وهي أنك تجلس مع الخليفة في مجلسه وفيه جماعة من أهله وقواده ووجوه مواليه فهو يجب أن يكون أجل الناس في عيونهم وأملأ لقلوبهم فلا يجري جار من القول إلا ظهرت لنفسك فيه قولا يتبين نصرتك فيه عليه فلو كنت مثل ابن أبي داؤد أو مثل بعض الكتاب لكان الأمر فيه أسهل عليه لأنه ما كان لتلك الطبقة فهو للخليفة لأنهم من عبيده وما كان لرجل من أهله له السن والقعدد عليه فهو موجب لمن السن والقعدد له وذلك مزر بالخليفة وأنا أرى أن لا أوصل هذا الكتاب وأن يتغافل أعزه الله حتى يتشوق إليه الخليفة فإذا صار إليه تحرز بما كرهته له ففي ذلك غنى عن العتاب والاستبطاء قال فانصرفت إلى أبي إسحق بالكتاب ولم أوصله فوجدت سيما الدمشقي عند صاحبنا وقد أبلغه رسالة المعتصم بوصف شوقه إليه وبالأمر بالركوب إليه فأخبرته بما دار بيني وبين سلمويه وركب فاستعمل ما أشار به فلم ينكر بعد ذلك منه شيئا حتى فرق بينهما الموت قال يوسف وجرى بيني وبين سلمويه ذكر يوحنا بن ماسويه فأطنبت في وصفه وذكرت منه ما أعرف من اتساع علمه فقال سلمويه يوحنا آفة من آفات من اتخذه لنفسه واتكل على علاجه وكثرة حفظه للكتب وحسن شرحه ووصفه بما يلجم به المكروه ثم قال لي أول الطب معرفة مقدار الداء حتى يعالج بمقدار ما يحتاج إليه من العلاج ويوحنا أجهل خلق الله بمقدار الداء والدواء جميعا فإن زوال محرور عالجه من الأدوية الباردة والأغذية المفرطة البرد وبما يزيل عنه تلك الحرارة ويعقب معدته وبدنه بردا يحتاج له إلى المعالجة بالأدوية والأغذية الحارة ثم يفعل في ذلك كفعله في العلة الأولى من الإفراط ليزول عنه البرد ويعتل من حرارة مفرطة فصاحبه أبدا عليل إما من حرارة وإما من برودة والأبدان تضعف عن احتمال هذا التدبير وإنما الغرض في اتخاذ الناس المتطببين لحفظ صحتهم في أيام الصحة ولخدمة طبائعهم في أيام العلة ويوحنا لجهله بمقادير العلل والعلاج غير قائم بهذين البابين ومن لم يقم بهما فليس بمتطبب قال يوسف وأصابت إبراهيم بن بنان أخا سلمويه بن بنان هيضة من خوخ أكله فأكثر منه فكادت
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»